الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا: مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا! أو يلقى إليه كنز، أو تكون له جنة يأكل منها. وقال الظالمون: إن تتبعون إلا رجلا مسحورا. انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا. تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك: جنات تجري من تحتها الأنهار، ويجعل لك قصورا ..

                                                                                                                                                                                                                                      مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ ما له بشر يتصرف تصرفات البشر؟ إنه الاعتراض المكرور الذي رددته البشرية عن كل رسول! كيف يمكن أن يكون فلان ابن فلان، المعروف لهم، المألوف في حياتهم، الذي يأكل كما يأكلون، ويعيش كما يعيشون! كيف يمكن أن يكون رسولا من عند الله يوحى إليه؟ كيف يمكن أن يتصل بعالم آخر غير عالم الأرض يتلقى عنه؟ وهم يرونه واحدا منهم من لحم ودم، وهم لا يوحى إليهم، ولا يعرفون شيئا عن ذلك العالم الذي يأتي منه الوحي لواحد منهم، لا يتميز في شيء عنهم.

                                                                                                                                                                                                                                      والمسألة من هذا الجانب قد تبدو غريبة مستبعدة؛ ولكنها من الجانب الآخر تبدو طبيعية مقبولة، لقد نفخ الله من روحه في هذا الإنسان; وبهذه النفخة الإلهية تميز وصار إنسانا، واستخلف في الأرض، وهو قاصر العلم، محدود التجربة، ضعيف الوسيلة، وما كان الله ليدعه في هذه الخلافة دون عون منه، ودون هدي ينير له طريقه، وقد أودعه الاستعداد للاتصال به عن طريق تلك النفخة العلوية التي ميزته؛ فلا عجب أن يختار الله واحدا من هذا الجنس; صاحب استعداد روحي للتلقي; فيوحي إليه ما يهدي به إخوانه إلى الطريق كلما غام عليهم الطريق، وما يقدم به إليهم العون كلما كانوا في حاجة إلى العون.

                                                                                                                                                                                                                                      إنه التكريم الإلهي للإنسان يبدو في هذه الصورة العجيبة من بعض جوانبها، الطبيعية من البعض الآخر، ولكن الذين لا يدركون قيمة هذا المخلوق، ولا حقيقة التكريم الذي أراده الله له، ينكرون أن يتصل بشر بالله عن طريق الوحي; وينكرون أن يكون واحد من هؤلاء البشر رسولا من عند الله، يرون الملائكة أولى بهذا وأقرب: لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا . والله قد أسجد الملائكة للإنسان بما أودعه من [ ص: 2553 ] الخصائص الفائقة، الناشئة من النفخة العلوية الكريمة.

                                                                                                                                                                                                                                      وإنها الحكمة الإلهية كذلك تبدو في رسالة واحد من البشر إلى البشر، واحد من البشر يحس إحساسهم، ويتذوق مواجدهم، ويعاني تجاربهم، ويدرك آلامهم وآمالهم، ويعرف نوازعهم وأشواقهم، ويعلم ضروراتهم وأثقالهم، ومن ثم يعطف على ضعفهم ونقصهم، ويرجو في قوتهم واستعلائهم، ويسير بهم خطوة خطوة، وهو يفهم ويقدر بواعثهم وتأثراتهم واستجاباتهم، لأنه في النهاية واحد منهم، يرتاد بهم الطريق إلى الله، بوحي من الله وعون منه على وعثاء الطريق!.

                                                                                                                                                                                                                                      وهم من جانبهم يجدون فيه القدوة الممكنة التقليد، لأنه بشر منهم، يتسامى بهم رويدا رويدا; ويعيش فيهم بالأخلاق والأعمال والتكاليف التي يبلغهم أن الله قد فرضها عليهم، وأرادها منهم; فيكون هو بشخصه ترجمة حية للعقيدة التي يحملها إليهم، وتكون حياته وحركاته وأعماله صفحة معروضة لهم ينقلونها سطرا سطرا، ويحققونها معنى معنى، وهم يرونها بينهم، فتهفو نفوسهم إلى تقليدها، لأنها ممثلة في إنسان; ولو كان ملكا ما فكروا في عمله ولا حاولوا أن يقلدوه; لأنهم منذ البدء يشعرون أن طبيعته غير طبيعتهم، فلا جرم يكون سلوكه غير سلوكهم على غير أمل في محاكاته، ولا شوق إلى تحقيق صورته!.

                                                                                                                                                                                                                                      فهي حكمة الله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، هي حكمة الله البالغة أن جعل الرسول بشرا ليؤدي دوره على قيادة البشر، والاعتراض على بشرية الرسول جهل بهذه الحكمة؛ فوق ما فيه من جهل بتكريم الله للإنسان!.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان من اعتراضاتهم الساذجة الجاهلة أن هذا الرسول يمشي في الأسواق ليكسب رزقه؛ فهلا كفاه الله ذلك، وحباه بالمال الكثير عن غير كد ولا عمل "أو يلقى إليه كنز، أو تكون له جنة يأكل منها"!.

                                                                                                                                                                                                                                      والله لم يرد لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يكون له كنز ولا أن تكون له جنة، لأنه أراد أن يكون قدوة كاملة لأمته; ينهض بتكاليف رسالته الضخمة الهائلة، وهو في الوقت ذاته يسعى لرزقه كما يسعى رجل من أمته، فلا يقولن أحد من أمته يكد لعيشه: لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكفي الحاجة، لا يعاني صراع العيش، ومن ثم فرغ لعقيدته ورسالته وتكاليفه، فلم يعوقه عائق مما أعاني، فها هو ذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل ليعيش، ويعمل لرسالته، فلا أقل من أن ينهض كل أحد من أمته بنصيبه الصغير من تكاليف هذه الرسالة - وقدوته أمامه.ولقد انهال المال بعد ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كي تتم التجربة من جانبها الآخر وتتم القدوة، فلم يدع هذا المال يشغله أو يعطله، فكان كالريح المرسلة في جوده، حتى يستعلي على فتنة المال، ويرخص من قيمته في النفوس; وكي لا يقولن أحد بعد ذلك: إنما نهض محمد - صلى الله عليه وسلم - برسالته، لأنه عاش فقيرا لا يشغله من المال شاغل، فها هو ذا المال يأتيه غزيرا وفيرا، ولكنه يمضي في دعوته كذلك، شأنه يوم أن كان فقيرا.

                                                                                                                                                                                                                                      وما المال؟ وما الكنوز؟ وما الجنان؟ حين يتصل الإنسان الفاني الضعيف بالله الباقي القوي؟ ما هذه الأرض وما فيها؟ بل ما هذا الكون المخلوق كله، بعد الاتصال بالله خالق كل شيء، وواهب الكثير والقليل؟ ولكن القوم ما كانوا يوم ذلك يدركون!.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الظالمون: إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ..

                                                                                                                                                                                                                                      وهي كلمة ظالمة فاحشة حكاها عنهم هنا، وحكاها عنهم كذلك في سورة الإسراء، ورد عليها هنا وهناك ردا واحدا:

                                                                                                                                                                                                                                      انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ..

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2554 ] وكلتا السورتين تعالجان موضوعا متقاربا، في جو متقارب هنا وهناك، وقولتهم تلك يقصدون بها الإساءة إلى شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتنقص منه، إذ يمثلونه برجل سحر عقله، فهو يقول كلاما غريبا لا يقوله الطبيعيون من الناس! ولكنها في الوقت ذاته تشي بشعورهم الداخلي بأن ما يقوله غير طبيعي، ولا مألوف، ولا هو من عادة البشر ولا من مستوى البشر، والرد عليهم يوحي بالتعجيب من أمرهم: انظر كيف ضربوا لك الأمثال وشبهوك بالمسحورين مرة، واتهموك بالتزوير مرة، ومثلوك برواة الأساطير مرة؛ وكله ضلال، وبعد عن إدراك الحق. فضلوا ضلوا عن كل طريق للحق، وكل سبيل للهدى فلا يستطيعون سبيلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وينهي هذا الجدل ببيان تفاهة ما يقترحون وما يتصورون من أعراض الحياة الدنيا، التي يحسبونها ذات قيمة، ويرونها أجدر أن يعطيها الله لرسوله إن كان حقا رسولا، من كنز يلقى إليه، أو جنة يأكل منها؛ فلو شاء الله لأعطاه أكبر مما يقترحون من هذا المتاع:

                                                                                                                                                                                                                                      تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك: جنات تجري من تحتها الأنهار، ويجعل لك قصورا .

                                                                                                                                                                                                                                      ولكنه شاء أن يجعل له خيرا من الجنات والقصور؛ الاتصال بواهب الجنات والقصور، والشعور برعايته وحياطته، وتوجيهه وتوفيقه؛ وتذوق حلاوة ذلك الاتصال، الذي لا تقاربه نعمة من النعم، ولا متاع صغر أو عظم، وشتان شتان لو كانوا يدركون أو يتذوقون!

                                                                                                                                                                                                                                      وعند هذا الحد من استعراض مقولاتهم الظالمة عن الله وعلى رسول الله، يكشف عن مدى آخر من آماد كفرهم وضلالهم، فهم يكذبون بالساعة، ومن ثم لا يتحرجون من ظلم ولا افتراء، ولا يخشون يوما يلقون فيه الله فيحاسبهم على الظلم والافتراء.وهنا يصورهم في مشهد من مشاهد القيامة يزلزل القلوب الصلدة ويهز المشاعر الخامدة، ويطلعهم على هول ما ينتظرهم هناك; وعلى حسن ما ينتظر المؤمنين في ذلك الهول العظيم:

                                                                                                                                                                                                                                      بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا، إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا، وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا. لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا!

                                                                                                                                                                                                                                      قل: أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا، لهم فيها ما يشاءون خالدين، كان على ربك وعدا مسؤولا؟ ..

                                                                                                                                                                                                                                      بل كذبوا بالساعة، وبلغوا هذا المدى من الكفر والضلال، هذا المدى الذي يصوره التعبير بعيدا متطاولا، يضرب عن كل ما قبله ليبرزه ويجسمه: بل كذبوا بالساعة .. ثم يكشف عن الهول الذي ينتظر أصحاب هذه الفعلة الشنيعة، إنها السعير حاضرة مهيأة: وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ..

                                                                                                                                                                                                                                      والتشخيص، ونعني به خلع الحياة وتجسيمها على ما ليس من شأنه الحياة المجسمة من الأشياء والمعاني والحالات النفسية، فن في القرآن، يرتفع بالصور وبالمشاهد التي يعرضها إلى حد الإعجاز، بما يبث فيها من عنصر الحياة.

                                                                                                                                                                                                                                      ونحن هنا أمام مشهد السعير المتسعرة، وقد دبت فيها الحياة! فإذا هي تنظر فترى أولئك المكذبين بالساعة. [ ص: 2555 ] تراهم من بعيد! فإذا هي تتغيظ وتزفر فيسمعون زفيرها وتغيظها; وهي تتحرق عليهم، وتصعد الزفرات غيظا منهم; وهي تتميز من النقمة، وهم إليها في الطريق! مشهد رعيب يزلزل الأقدام والقلوب!

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ها هم أولاء قد وصلوا، فلم يتركوا لهذه الغول طلقاء، يصارعونها فتصرعهم، ويتحامونها فتغلبهم، بل ألقوا إليها إلقاء، ألقوا مقرنين، قد قرنت أيديهم إلى أرجلهم في السلاسل، وألقوا في مكان منها ضيق، يزيدهم كربة وضيقا، ويعجزهم عن التفلت والتململ، ثم ها هم أولاء يائسون من الخلاص، مكروبون في السعير، فراحوا يدعون الهلاك أن ينقذهم من هذا البلاء: وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا .فالهلاك اليوم أمنية المتمني، والمنفذ الوحيد للخلاص من هذا الكرب الذي لا يطاق، ثم ها هم أولاء يسمعون جواب الدعاء، يسمعون تهكما ساخرا مريرا: لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا . فهلاك واحد لا يجدي شيئا ولا يكفي شيئا!

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذا الموقف المكروب الرعيب يعرض ما أعد للمتقين، الذين يخشون ربهم ويرجون لقاءه، ويؤمنون بالساعة، يعرض في أسلوب متهكم كذلك ساخر.

                                                                                                                                                                                                                                      قل أذلك خير؟ أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا لهم فيها ما يشاءون خالدين. كان على ربك وعدا مسؤولا؟ .

                                                                                                                                                                                                                                      أذلك الكرب الفظيع خير؟ أم جنة الخلد التي وعدها الله المتقين، وخولهم حق سؤاله عنها، وطلب تحقيق وعده الذي لا يخلف، ومنحهم أن يطلبوا فيها ما يشاءون؟ وهل هناك وجه للموازنة؟ ولكنها السخرية المريرة بالساخرين الذين يتطاولون على الرسول الكريم.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يمضي مستطردا يعرض مشهدا آخر من مشاهد الساعة التي كذب بها المكذبون، مشهد أولئك المشركين، وقد حشروا مع آلهتهم التي كانوا يزعمون، ووقف الجميع عبادا ومعبودين أمام الديان يسألون ويجيبون!.

                                                                                                                                                                                                                                      ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله، فيقول: أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء، أم هم ضلوا السبيل؟ قالوا: سبحانك! ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء. ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر، وكانوا قوما بورا.. فقد كذبوكم بما تقولون، فما تستطيعون صرفا ولا نصرا. ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ..

                                                                                                                                                                                                                                      وما يعبدون من دون الله قد يكونون هم الأصنام، وقد يكونون هم الملائكة والجن، وكل معبود من دون الله، وإن الله ليعلم؛ ولكن الاستجواب هكذا في الساحة الكبرى، وهم محشورون أجمعين، فيه تشهير وتأنيب، وهو ذاته عذاب مرهوب! والجواب هو الإنابة من هؤلاء "الآلهة"! الإنابة لله الواحد القهار، وتنزيهه عن ذلك الافتراء، والتبرؤ لا من ادعاء الألوهية، ولكن من مجرد أن يتخذوا لهم أولياء من دون الله، والزراية على أولئك الجاحدين الجهال:

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا: سبحانك! ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء. ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر، وكانوا قوما بورا ..

                                                                                                                                                                                                                                      فهذا المتاع الطويل الموروث - على غير معرفة بواهب النعمة ولا توجه ولا شكر - قد ألهاهم وأنساهم ذكر المنعم، فانتهت قلوبهم إلى الجدب والبوار، كالأرض البور لا حياة فيها ولا زرع ولا ثمار، والبوار الهلاك، ولكن اللفظ يوحي كذلك بالجدب والخواء، جدب القلوب، وخواء الحياة.

                                                                                                                                                                                                                                      عندئذ يتوجه إلى أولئك العباد الجهال بالخطاب المخزي المهين:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 2556 ] فقد كذبوكم بما تقولون. فما تستطيعون صرفا ولا نصرا .. لا صرف العذاب ولا الانتصار.

                                                                                                                                                                                                                                      وبينما المشهد في الآخرة يوم الحشر، ينتقل السياق فجأة إلى المكذبين وهم بعد في الأرض:

                                                                                                                                                                                                                                      ومن يظلم منكم: نذقه عذابا كبيرا ..

                                                                                                                                                                                                                                      ذلك على طريقة القرآن في لمس القلوب في اللحظة التي تتهيأ فيها للاستجابة وهي متأثرة بمثل ذلك المشهد المرهوب!.

                                                                                                                                                                                                                                      والآن وقد شهدوا وشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهاية الافتراء والتكذيب والاستهزاء، ونهاية الاعتراض على بشرية الرسول وأكله الطعام ومشيه في الأسواق، الآن يعود إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - يسليه ويؤسيه، بأنه لم يكن بدعا من الرسل، فكلهم يمشون على سواء:

                                                                                                                                                                                                                                      وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة. أتصبرون؟ وكان ربك بصيرا ..

                                                                                                                                                                                                                                      فإذا كان هناك اعتراض فليس هو اعتراض على شخصه، إنما هو اعتراض على سنة من سنن الله، سنة مقدرة مقصودة لها غايتها المرسومة: وجعلنا بعضكم لبعض فتنة . ليعترض من لا يدركون حكمة الله وتدبيره وتقديره،وليصبر من يثق بالله وحكمته ونصره؛ ولتمضي الدعوة تغالب وتغلب بوسائل البشر وطرائق البشر، وليثبت من يثبت على هذا الابتلاء: أتصبرون؟ .. وكان ربك بصيرا . بصيرا بالطبائع والقلوب، والمصائر والغايات، ولهذه الإضافة هنا وكان ربك إيحاؤها وظلها ونسمتها الرخية على قلب الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مقام التأسية والتسلية والإيواء والتقريب، والله بصير بمداخل القلوب..

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية