الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو كان له عليه ألف إلى أجل فصالحه منها على خمسمائة درهم ودفعها إليه لم يجز ; لأن المطلوب أسقط حقه في الأجل في الخمسمائة والطالب بمقابلته أسقط عنه خمسمائة فهو مبادلة الأجل بالدراهم وذلك لا يجوز عندنا ، وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما ، فإن رجلا سأله عن ذلك فنهاه ، ثم سأله ، ثم نهاه ، ثم سأله فقال : إن هذا يريد أن أطعمه الربا ، وهو قول الشعبي رحمه الله : وكان إبراهيم النخعي رحمه الله : يجوز ذلك ، وهو قول زيد بن ثابت رضي الله عنه استدلالا بحديث { بني النضير أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجلاهم قالوا إن لنا ديونا على الناس فقال : صلوات الله عليه ضعوا وتعجلوا } وكنا نحمل ذلك على أنه كان قبل نزول حرمة الربا ، ثم انتسخ بنزول حكم الربا ، فإن مبادلة الأجل بالمال ربا .

( ألا ترى ) أن الشرع حرم ربا النساء وليس ذلك إلا شبهة مبادلة المال بالأجل فحقيقة ذلك لا يكون ربا حراما أولى ، ولو كان له عليه ألف درهم [ ص: 32 ] مؤجلة ثمن خادم فصالحه على أن يردها عليه بخمسمائة قبل الأجل أو بعده غير أنه لم ينتقدها أو انتقدها إلا درهما منها فهو فاسد عندنا ; لأنه شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن ، وقد بينا ذلك في البيوع وذكرنا أنه لو كان بعيب عند المشتري جاز ذلك ; لأن الربح لا يظهر إذا عاد إليه لا على الوجه الذي خرج من ملكه .

ولو ادعى عليه ألف درهم فأقر بها أو أنكرها فصالحه منها على مائة درهم إلى شهر على أنه إن أعطاها إلى شهر فهو بريء مما بقي ، وإن لم يعطها إلى شهر فمائتا درهم لم يجز ; لأنه في معنى شرطين في عقد حين لم يقاطعه على شيء معلوم ، وهو مبادلة الأجل ببعض المقدار أيضا فيكون ربا حراما .

وكذلك لو قال أصالحك على مائتي درهم إلى شهر ، فإن عجلتها قبل الشهر فهي مائة فهذا والأول سواء ، وكذلك لو صالحه على أحد شيئين سماهما أو أشار إليهما ، ولم يعزم على أحدهما لم يجز لتمكن الجهالة فيما وقع عليه الصلح ، والمصالح عليه بمنزلة المبيع فكان هذا في معنى صفقتين في صفقة ، وكذلك لو كان الصلح من أحد الشيئين على الشك أو مع أحد هذين الرجلين على الشك ; لأن هذه الجهالة تفضي إلى المنازعة ، ولو أقر له بألف درهم ، ثم صالحه منها على عبد على أن يخدم الرجل المدعى عليه شهرا لم يجز ; لأن المصالح عليه مبيع ، وقد شرطا التأجيل في تسليمه شهرا أو شرط البائع لنفسه منفعة لا يقتضيها العقد .

وكذلك لو صالحه على دار واشترط سكناها شهرا أو صالحه على عبد على أن يدفعه إليه بعد شهر ، وكذلك لو صالحه على ثوب على أن يعطيه قميصا ويخيطه أو صالحه على طعام على أن يطبخه له أو يحمله إلى منزله ; لأنه شرط منفعة لا يقتضيها العقد وذلك مفسد للبيع فكذلك الصلح ، وإن صالحه على طعام بعينه في الكوفة على أن يوفيه إياه في منزله فهو جائز استحسانا بخلاف ما لو شرط أن يوفيه بالبصرة ، وقد تقدم بيان هذه الفصول في البيوع والله - تعالى - أعلم بالصواب

.

التالي السابق


الخدمات العلمية