الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا أسلم عشرة دراهم إلى رجل في كر حنطة إلى أجل وقبضها ، ثم مرض رب السلم وحل الطعام ، وهو [ ص: 55 ] يساوي عشرين درهما فتقايلا السلم ، ثم مات المريض ، ولا مال له غيره ، فإن الإقالة تجوز في ثلث الكر ويرد على الورثة ثلثي رأس المال وثلث الطعام ; لأن المريض بالإقالة حابى بنصف ماله ، ولا يمكن تصحيح المحاباة فيما زاد على الثلث ، ولا وجه لإزالة المحاباة في الزيادة بأن يغرم ذلك المسلم إليه من ماله ; لأن فيه عود الزيادة على رأس المال من رب السلم بطريق الإقالة وذلك لا يجوز ، ولا وجه إلى إبطال الإقالة ; لأن إقالة السلم لا يحتمل التبعيض فيتعين الإطلاق الذي قلنا ، وهو تصحيح الإقالة في ثلثي الكر وإبطالها في الثلث ; لأنه لو كان للمريض سوى هذا عشرة دراهم لكانت الإقالة تصح في الكل ، فإنه يسلم للورثة عشرون درهما والمحاباة بقدر عشرة فيقسم الثلث والثلثان فالسبيل فيه أن نضم ما عدمنا إلى الموجود ، ثم ننظر إلى ما عدمنا أنه كم هو من الجملة فتبطل الإقالة بقدره والعشرة التي عدمنا من الجملة الثلث ، فنبطل الإقالة في ثلث الكر ونجوزها في ثلثي الكر بثلثي رأس المال فيحصل للورثة ثلث كر قيمته ستة وثلثان ، وثلثا رأس المال ستة وثلثان فذلك ثلاثة عشر وثلث ويجعل للمسلم إليه ثلثا كر قيمته ثلاثة عشر وثلث بستة وثلاثين ، فإنما نفذ بالمحاباة له في ستة وثلاثين ، وقد سلم للورثة ضعف ذلك فينقسم الثلث والثلثان .

فإن قيل : كيف تبطل الإقالة في الثلث والإقالة في السلم لا ناقض لها ؟ قلنا : إنما ينفذ من تصرفات المريض ما يحتمل النقض بعد وقوعه ، فأما ما لا يحتمل النقض فالحكم فيه يثبت على سبيل التوقف كما قال : أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله في العتق ، وقد قررنا هذا الأصل في كتاب العتاق والله أعلم بالصواب

التالي السابق


الخدمات العلمية