الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا قتيبة بن سعيد ، أخبرنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة ، عن الحسن بن عياش ) : بفتح مهملة وتشديد تحتية في آخرها شين معجمة ، أخرج حديثه مسلم والترمذي والنسائي . ( عن أبي إسحاق ، عن الشعبي ) : بفتح فسكون . ( قال ) : أي الشعبي . ( قال المغيرة بن شعبة : أهدى دحية ) : بكسر أوله عند الجمهور ، وقال ابن ماكولا : بالفتح ، ذكره في جامع الأصول وهو صحابي جليل ذو جمال حتى كان يأتي جبريل النبي صلى الله عليه وسلم في صورته كثيرا على ما ذكره ميرك . ( للنبي ) : وفي نسخة " إلى النبي " . ( صلى الله عليه وسلم خفين فلبسهما ، وقال إسرائيل ) : هو من كلام الترمذي ، فإن كان من قبل نفسه وهو الظاهر فهو معلق لأنه لم يدركه ، وإن كان من قبل شيخه قتيبة فلا يكون معلقا ، وقال ميرك : يحتمل أن يكون مقولا ليحيى فيكون عطفا بحسب المعنى على قوله : عن الحسن بن عياش ، انتهى . ( عن جابر ) : أي الجعفي . ( عن عامر ) : هو الشعبي المذكور من قبل . ( وجبة ) : بالنصب عطفا على خفين ، قال ميرك : والحاصل أن يحيى روى قصة إهداء الخفين فقط عن الحسن عن أبي إسحاق عن المغيرة ، وروى قصة إهداء الخفين مع الجبة عن إسرائيل عن جابر عن المغيرة ، ويحتمل أن يكون تعليقا عن الترمذي وحينئذ يحتمل أن يكون قوله عن المغيرة مرادا ولم يذكره لظهوره ، ويؤيده قوله " وجبة " بطريق العطف ، تأمل ، ولم أر من خرج الحديث غير المؤلف فإنه ذكره في جامعه بهذا السياق بلا تفاوت ، وقال في آخره : حسن غريب ، وهو لا يخلو عن تأمل ; لأن جابرا شيخ إسرائيل هو ابن يزيد الجعفي وهو ضعيف عند النقاد كما تقدم اللهم إلا أن يقال هو ثقة عند المؤلف ، ثم رأيت الحديث مخرجا في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الشيخ ابن حبان الأصبهاني ، فإنه أخرجه من طريق هيثم بن جميل عن زهير بن معاوية عن جابر الجعفي عن عارم عن دحية الكلبي أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من الشام وخفين . ويفهم من هذا السياق تقوية احتمال التعليق والإرسال . ( فلبسهما ) : أي الخفين والجبة . ( حتى تخرقا ) : أي تقطعا ، وثنى الضمير لأن الخفين ملبوس واحد في الحقيقة فيكون المراد فلبس الملبوسين المذكورين ، ويراد حينئذ بالجبة نوع نفيس من الفرو كما يستعمله بعض العجم ، والله أعلم ، ويحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى الخفين فقط كما في الرواية الأولى ويقويه قوله : ( لا يدري ) : بصيغة الفاعل أي لا يعلم . ( النبي صلى الله عليه وسلم أذكي ) : أي أمذبوح أي تذكية شرعية . ( هما ) : أي الخفين ، يعني أصلهما ، وهو فاعل " ذكي " سد مسد الخبر مثل أقائم [ ص: 158 ] الزيدان . ( أم لا ) : وفي رواية أبي الشيخ : فلم يتبين أو لم يعلم أذكيان هما أم ميتة حتى تخرقا . والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم أن هذين الخفين كانتا متخذتين من جلد المذكاة أم من جلد الميتة المدبوغ أو غير المدبوغ ، وفيه دلالة على أن الأصل في الأشياء المجهولة الطهارة ، ثم نفى الصحابي درايته صلى الله عليه وسلم إما لتصريحه له بذلك أو لأنه أخذها من قرينة عدم سؤاله وتفحصه . ( قال أبو عيسى ) : أي الترمذي . ( وأبو إسحاق هذا ) : أي الذي سبق ذكره . ( هو أبو إسحاق الشيباني ) : أي دون السبيعي كما يوهمه كون إسرائيل الراوي من ولده . ( واسمه سليمان ) : أي ابن أبي سليمان ، واسمه فيروز بفتح الفاء ، ويقال خاقان ، قال ميرك : وفي الحديث دليل على أنه صلى الله عليه وسلم لبس الخفين ومسح عليهما ، وقد تواتر عند أهل السنة حديث المسح على الخفين في الحضر والسفر ، وروى الطبراني في الأوسط والبيهقي في الدعوات الكبير بإسناد صحيح عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة أبعد المشي فذهب يوما فقعد تحت شجرة فنزع خفيه ، قال : ولبس أحدهما فجاء طائر فأخذ الخف الآخر فحلق به في السماء فانسلت منه أسود سالخ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هذه كرامة أكرمني الله بها " ، ثم قال : " اللهم إني أعوذ بك من شر من يمشي على بطنه ومن شر من يمشي على رجلين ومن شر من يمشي على أربع " .

التالي السابق


الخدمات العلمية