الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : فإذا أوجبها لم يكن له أن يبدلها بحال .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح إذا أوجب الأضحية وعينها خرجت بالإيجاب عن ملكه ، ومنع من التصرف فيها ، ووجب عليه مؤنتها وحفظها إلى وقت نحرها ، وهو قول علي عليه السلام ، ومذهب أبي يوسف وأبي ثور .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة ، ومحمد : لا تخرج بالإيجاب عن ملكه ، ولا يمنع من التصرف فيها ، ويكون بإيجابها مخيرا بين ذبحها أو ذبح غيرها : احتجاجا بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أهدى مائة بدنة عام حجه ، فقدم عليه علي من اليمن فأشركه فيها ، ولو خرجت بالإيجاب عن ملكه ما جعل فيها شركا لغيره : ولأنه لو أوجب على نفسه عتق [ ص: 102 ] عبد فقال لله علي أن أعتقه لم يخرج بهذا الإيجاب في ملكه إجماعا ، وكذلك إيجاب الأضحية لا يخرجها عن ملكه احتجاجا .

                                                                                                                                            ولأن ما تعلق بالأعيان المملوكة من حقوق الله تعالى تقتضي زوال الملك ، ولا يمنع من التصرف كالزكاة إذا وجبت في المال .

                                                                                                                                            ولأن القصد في إيجابها ما ينتفع به الفقراء من لحمها وانتفاعهم بلحم غيرها كانتفاعهم بلحمها ، فوجب أن يستويا .

                                                                                                                                            ولأنها بعد الإيجاب مملوكة فلما لم تصر ملكا للفقراء وجب أن تكون باقية على ملك المضحي .

                                                                                                                                            ودليلنا : ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله إني أوجبت على نفسي بدنة وقد طلبت مني بأكثر من ثمنها ، فقال : انحرها ولا تبعها ولو طلبت بمائة بعير .

                                                                                                                                            فلما منعه من البيع مع المبالغة في الثمن وأمره بالنحر دل على فساد البيع ووجوب النحر .

                                                                                                                                            وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال : من أوجب أضحية فلا يستبدل بها ، وليس له مع انتشار قوله مخالف في الصحابة .

                                                                                                                                            ولأنه يتقرب بالأضحية من النعم كما يتقرب بالعبيد في العتق ثم ثبت أن العتق مزيل للملك إجماعا ، فوجب أن تكون الأضحية مزيلة للملك احتجاجا .

                                                                                                                                            ولأن كل إيجاب تعلق بالعين ولم يتعلق بالذمة أوجب زوال الملك كالوقف والعتق .

                                                                                                                                            ولأن حكم الأضحية يسري إلى ولدها ، وكل حكم أوجب سرايته إلى الولد زال به الملك كالبيع طردا والإجارة عكسا .

                                                                                                                                            ولأن المضحي يضمن الأضحية لو أتلفها ، وكل ما ضمنه المتلف في حق غيره خرج به المضمون عن ملك ضامنه كالهبة طردا والعارية عكسا ولا يدخل عليه الرهن : لأنه يضمنه في دين نفسه ، ولا يدخل عليه العبد الجاني : لأنه يضمن جنايته ولا يضمن رقبته .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن اشتراك علي عليه السلام في الهدي فمن وجهين :

                                                                                                                                            [ ص: 103 ] أحدهما : أن عليا ساق الهدي من اليمن فجعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الإيجاب شريكا .

                                                                                                                                            والثاني : أنه جعله شريكا في نحرها لا في التقرب بها : لأنه نحر بنفسه منها ثلاثا وستين ثم أمر عليا بنحر باقيها .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن استدلالهم بإيجاب عتق العبد فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن العبد إذا أوجب عتقا لم يصر حرا والشاة إذا أوجبها أضحية صارت أضحية فافترقا .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما منع من التصرف في العبد وجب أن يمنع من التصرف في الأضحية .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن استدلالهم بالزكاة فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : تعلق الزكاة بالذمة وتعلق الأضحية بالعين .

                                                                                                                                            والثاني : أن بطلان البيع في قدر الزكاة إذا تعلقت بالعين ، فوجب أن تكون الأضحية بمثابتها لتعلقها بالعين .

                                                                                                                                            وأما الجواب ، عن استدلالهم بأن لحم غيرها مثل لحمها فبطلانه من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : في حق الله تعالى بالعتق إذا أوجبه على نفسه في عبد لم يكن له أن يبدله بغيره .

                                                                                                                                            والثاني : حق الآدميين في البيع إذا باع عبدا لم يكن له أن يبدله بغيره .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن استدلالهم بأنها لما لم تصر ملكا للفقراء دل على بقائها على ملكه فمن وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن حق الفقراء قبل الذبح كحقهم فيها بعده فلم يسلم الاستدلال .

                                                                                                                                            والثاني : أن بطلانه بالوقف لأنه خرج عن ملكه ولم يصر ملكا لغيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية