الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو استعار ثوبا ليرهنه بعشرة فرهنه بعشرة وقيمته عشرة أو أكثر ، فهلك عند المرتهن بطل المال عن الراهن ; لأن الاستيفاء قد تم بهلاك الرهن ووجب مثله لرب الثوب على الراهن ; لأنه قبض الثوب وسلمه برضاه ، وذلك يمنع وجوب ضمان العيب ، ولكن صار قاضيا دينه بهذا القدر من ماليته ومن قضى دينه بمال الغير يضمن له مثل ذلك المال ، وكذلك لو أصابه عيب ذهب من الدين بحسابه ، ووجب مثله لرب الثوب على الراهن ; لأنه صار قاضيا هذا القدر من الدين بماله والجزء معتبر بالكل فإن كان الثوب يساوي خمسة ، وهو رهن بعشرة فأعسر الراهن ، ولم يجد ما يفتكه به ثم هلك الثوب في يد المرتهن ذهب بخمسة وعلى الراهن خمسة للمرتهن ، وهو مقدار الزيادة على قيمة الرهن من الدين ، وهي خمسة لرب الثوب ; لأنه صار موفيا خمسة من دينه بمالية ثوبه فيغرم له مثله .

ولو كانت قيمته مثل الدين وأراد المعير أن يفتكه حين أعسر الراهن لم يكن للمرتهن أن يمتنع من دفعه إليه إذا قضاه دينه بخلاف ما إذا تبرع أجنبي بقضاء الدين فلصاحب الدين أن لا يفتكه منه ; لأن المعير بالإيفاء هنا يقصد تخليص ملكه ، فكان بمنزلة المديون الذي يقصد بالإيفاء تفريغ ذمته فأما الأجنبي : فلا يقصد تخليص ملكه ، ولا ذمته ، بل هو متبرع على الطالب ، فله أن لا يقبل تبرعه .

توضيحه : أن المرتهن هنا رضي باستيفاء دينه بملك الغير فلا فرق في حقه بين مالية الرهن ، وبين مال آخر يعطيه ، وهو في الإباء بعد الرضا يكون متعينا ، وبهذا الحرف يرجع المعير على الراهن بما أدى عنه ; لأن الراهن رضي بأن يصير دينه مقضيا بملك المعير على وجه يرجع عليه بمثله ، وهو إذا هلك الرهن فلا فرق في ذلك بين مالية الرهن وبين مال آخر يؤديه ، ولو هلك ثوب العارية عند الراهن قبل أن يرهنه أو بعد ما افتكه فلا ضمان عليه فيه ; لأن حفظه العين في الحالين بإذن المالك ، وبالهلاك قبل الرهن ، أو بعد الفكاك لا يصير قاضيا شيئا من دينه بماليته

[ ص: 160 ] وإن قال رب الثوب : هلك قبل أن يفتكه وقال الراهن : هلك بعد ما افتككته أو قبل أن أرهنه ، فالقول قوله والبينة بينة رب الثوب أما إذا قال : هلك قبل أن أرهنه فلإنكاره السبب الموجب للضمان وحاجة رب الثوب إلى إثبات ذلك بالبينة .

وأما إذا قال : هلك بعد ما افتككته ، فلأن رب الثوب يدعي عليه إيفاء الدين بماليته وهو منكر لذلك فالقول قول المنكر مع يمينه وعلى المدعي البينة ، فإن قيل هنا الراهن قد أقر بسبب وجوب الضمان ، وهو رهنه الثوب بدينه ، أو ادعى ناسخه ، وهو الفكاك فلا يقبل قوله في ذلك إلا بحجة كالغاصب يدعي رد المغصوب ، قلنا : لا . كذلك فالرهن بإذن صاحب الثوب ليس بسبب موجب للضمان على أحد وإنما الموجب للضمان عليه لرب الثوب فراغ ذمته عن الدين بسبب مالية الرهن .

( ألا يرى ) : أنه بذلك القدر يستوجب الرجوع عليه وبالرهن لا يحصل شيء من ذلك ، فكانت دعواه الهلاك بعد الفكاك ، ودعواه الهلاك قبل الرهن في هذا المعنى سواء ، ولو اختلف الراهن والمرتهن فقال المرتهن : قبضت منك المال وأعطيتك الثوب ، وأقام البينة ، وقال الراهن : بل أقبضتك المال وهلك الثوب عندك ، وأقام البينة فالبينة بينة الراهن ; لأنه ثبت ببينته إيفاء الدين بمالية الرهن ، والمرتهن ينفي ذلك بقوله : أعطيتك الثوب ، وترجيح الثياب بالإثبات أصل فإن كان الثوب عارية فقال : رب الثوب أمرتك أن ترهنه بخمسة وقال المستعير : بعشرة فالقول قول رب الثوب ; لأن الإذن يستفاد من جهته ولو أنكره كان القول قوله ، فكذلك إذا أقر به مقيدا بصفة ، والبينة بينة المستعير ; لإثباته الزيادة وحاجته إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية