الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أنه ليس بحرام ، فهو مكروه ، واختلف أصحابنا في علة كراهته على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لمباشرة الـنجاسة لقول الله تعالى : والرجز فاهجر [ المدثر : 5 ] ، فعلى هذا يكره كسب كل مباشر للنجاسة من كناس ، وخراز ، وقصاب .

                                                                                                                                            واختلف قائل هذا ، هل يكون كسب الفصاد من جملتهم ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون من جملتهم ، لأنه يباشر نجاسة الدم .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنه لا يكره كسبه : لاقترانه بعلم الطب ، فإنه قل ما يباشر نجاسة الدم .

                                                                                                                                            فأما الختان ، فمكروه الكسب كالحجام ، بل يزيد عليه في مباشرة العورات ، وتكون الكراهة مقصورة على مباشرة الأنجاس ، ومنتفية عمن لا يباشرها من سماك ، ودباغ .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن كراهة التكسب به لدناءته ، وهو الظاهر من مذهب الشافعي : لأنه جعل من المكاسب دنيئا وحسنا ، وقد روي أن ذا قرابة لعثمان بن عفان - رضي الله عنه - قدم عليه ، فسأله عن كسبه ، فقال : غلة حجام أو حجامين ، فقال : إن كسبكم لدنيء ، أو قال : لوسخ ، فعلى هذا يكره مع ذلك كسب السماك ، والدباغ ، والحلاق ، والقيم .

                                                                                                                                            واختلف‌‌‌‌‌‌‌ على هذا في كسب الحجامين على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : مكروه ، دنيء : لأنه يشاهد العورات ويتكسب بحران غير مقدر .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يكره كسبه : لأنه لا يباشر عملا ، ويمكنه غض طرفه عن العورات ، وليس يتكسب بمباشرتها : فإن أرسل طرفه صار كغيره من الناس .

                                                                                                                                            وكذلك نظائر ما ذكرناه ، وجميع هذا مكروه للأحرار .

                                                                                                                                            فأما العبيد ففيهم وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يكره لهم كالأحرار ، وهو قول الأكثرين .

                                                                                                                                            [ ص: 156 ] والوجه الثاني : لا يكره لهم : لأنهم أدنى من الأحرار ، فليتأهبوا أدنى الاكتساب ، فإن أخذ ساداتهم كسبهم كره لهم أن يأكلوه ، ولم يكره لهم أن يطعموه رقيقهم وبهائمهم : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمحيصة حين سأله عنه : أعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية