الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والفرق بين فرض العين وفرض الكفاية : أن فرض العين ما تكررت مصلحته بتكرره ، كالصلوات الخمس وغيرها .

فإن مصلحتها الخضوع لله وتعظيمه ومناجاته والتذلل والمثول بين يديه . وهذه [ ص: 117 ] الآداب تكرر كلما كررت الصلاة . وفرض الكفاية : ما لا تتكرر مصلحته بتكرره .

كإنجاء الغريق وغسل الميت ودفنه ونحوها ، فهما متباينان تباين النوعين ( وهما ) أي فرض الكفاية ، وسنة الكفاية ( مهم ) أي . أمر يهتم به ( يقصد ) من قبل الشرع ( حصوله من غير نظر بالذات إلى فاعله ) فدخل في ذلك نحو الحرف والصناعات ، وقوله " من غير نظر - إلخ " مخرج لفرض العين وسنة العين ، لأن ما من فعل يتعلق به الحكم إلا وينظر فيه الفاعل ، حتى يثاب على واجبه ومندوبه ، ويعاقب على ترك الواجب إن لم يعف عنه . وإنما يفترقان في كون المطلوب عينا يختبر به الفاعل ويمتحن ، ليثاب أو يعاقب .

والمطلوب على الكفاية يقصد حصوله قصدا ذاتيا ، وقصد الفاعل فيه تبع لا ذاتي ( وفرض الكفاية ) واجب ( على الجميع ) عند الجمهور . قال الإمام أحمد رضي الله عنه : الغزو واجب على الناس كلهم ، فإذا غزا بعضهم أجزأ عنهم . وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه في الأم : حق على الناس غسل الميت ، والصلاة عليه ودفنه ، لا يسع عامتهم تركه . وإذا قام به من فيه كفاية أجزأ عنهم إن شاء الله تعالى ( ويسقط الطلب الجازم والإثم ) في فرض الكفاية ( بفعل من يكفي ) رخصة وتخفيفا ، لحصول المقصود ( ويجب ) عينا ( على من ظن أن غيره لا يقوم به ) أي بفرض الكفاية ، لأن الظن مناط التعبد ( وإن فعله ) أي فعل المطلوب حصوله ( الجميع معا ) أي غير مرتب ( كان فرضا ) في حق الجميع لعدم ما يقتضي تمييز بعضهم ( وفرض العين أفضل ) من فرض الكفاية ، لأن فرض العين أهم ، ولأجل ذلك وجب على الأعيان . وهذا قول الأكثر . وقيل عكسه .

( ولا فرق بينهما ) أي بين فرض العين وفرض الكفاية ( ابتداء ) قاله الموفق وغيره . وإنما يفترقان في ثاني الحال ، وهو فرق حكمي ( ويلزمان ) أي فرض العين وفرض الكفاية ( بشروع مطلقا ) أي سواء كان فرض الكفاية جهادا ، أو صلاة على جنازة ، أو غيرهما . قال في شرح التحرير : في الأظهر . ويؤخذ لزومه بالشروع من مسألة حفظ القرآن . فإنه فرض كفاية إجماعا ، فإذا حفظه إنسان وأخر تلاوته من غير عذر حتى نسيه ، فإنه يحرم على الصحيح من المذهب . قال الإمام [ ص: 118 ] أحمد رضي الله تعالى عنه : ما أشد ما جاء فيمن حفظه ثم نسيه . وفيه وجه يكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية