الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير :

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إنا فتحنا لك فتحا مبينا : قيل : نزلت حين قالت اليهود لما سمعت وما أدري ما يفعل بي ولا بكم [الأحقاف : 9 ]- : كيف نتبع من لا يدري ما يفعل به ؟

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : المعنى : قضينا لك قضاء مبينا .

                                                                                                                                                                                                                                      و (الفتح ) ههنا : فتح الحديبية ، عن ابن عباس وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 168 ] الطبري : هو الهدنة التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين بالحديبية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك أي : قبل النبوة ، وما تأخر : بعد النبوة ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : إنا فتحنا لك باجتناب الكبائر ؛ ليغفر لك الله الصغائر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وينصرك الله نصرا عزيزا أي : لا يتبعه ذل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : هو الذي أنـزل السكينة في قلوب المؤمنين يعني : السكون والطمأنينة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : الظانين بالله ظن السوء يعني : ظنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرجع ؛ كما قال تعالى : بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا [الفتح : 12 ] وقوله : لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه أي : تعظموه ، وتفخموه ، قتادة : تنصروه ، والهاء في {توقروه} للنبي صلى الله عليه وسلم ، وفي {تسبحوه} لله عز وجل ، وقيل : الضمائر كلها لله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : يد الله فوق أيديهم : قيل : المعنى : يده في الثواب فوق أيديهم في الوفاء ، ويده في المنة عليهم بالهداية فوق أيديهم في الطاعة ، وقيل : المعنى : قوة الله فوق قوتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إنما يبايعون الله أي : عقدك البيعة عليهم عقد الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 169 ] وقوله : فمن نكث فإنما ينكث على نفسه يعني : لأنه حرم نفسه الثواب ، وألزمها العقاب .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا يعني : الذين تخلفوا عن الحديبية ؛ وهم مزينة ، وجهينة ، وأسلم ، وهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة ، فجاءوا يسألون الاستغفار واعتقادهم خلاف ظاهرهم ، ففضحهم الله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول الآية : أي : إنما تخلفتم بسبب ذلك الظن ، وقد اختصرت خبر الحديبية في «الكبير » .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل :

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد : تخلفوا عن الخروج إلى مكة ، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخذ قوما ، ووجه بهم ؛ قالوا : ذرونا نتبعكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : يريدون أن يبدلوا كلام الله :

                                                                                                                                                                                                                                      قيل : هو قوله : فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا [التوبة : 83 ] ، [ ص: 170 ] وأنكر ذلك الطبري ؛ بسبب أن غزوة تبوك كانت بعد فتح خيبر ، وبعد فتح مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : يريدون أن يبدلوا وعد الله الذي وعد بفتح خيبر ، وخص به أهل الحديبية ؛ عوضا من غنائم مكة ؛ إذ رجعوا من الحديبية على صلح ، قاله مجاهد وغيره ، واختاره الطبري .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : كذلكم قال الله من قبل أي : قبل رجوعنا من الحديبية : إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية خاصة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : قل للمخلفين من الأعراب أي : قل لهؤلاء الذين تخلفوا عن الحديبية : ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد : قال ابن جبير : يعني : هوازن ، وثقيف .

                                                                                                                                                                                                                                      عطاء والحسن : فارس والروم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هم بنو حنيفة الذين قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه على الردة ، وفي [ ص: 171 ] هذا دليل على صحة خلافة أبي بكر رضي الله عنه ؛ لأنه قال : تقاتلونهم أو يسلمون ؛ لأن ذلك ليس لمن تؤخذ منه الجزية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة يعني : بيعة الرضوان التي كانت في الحديبية ، بايع المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم تحت سمرة على الموت ، وكانوا ألفا وست مئة ، وقيل فيما زاد على الألف : إنه خمس مئة ، وقيل : ثلاث مئة وعن ابن عباس : ألف وخمس مئة وعشرون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وأثابهم فتحا قريبا يعني : فتح خيبر ، [عن ابن أبي ليلى وغيره ، وقيل : هو فتح مكة ] ، وكانت خيبر بين الحديبية ومكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه : [أي : خيبر ، عن مجاهد ، ابن عباس ] : عجل لكم صلح الحديبية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وكف أيدي الناس عنكم : [يعني : أنه كف أيدي المشركين عنكم بالحديبية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 172 ] وقيل : كف أيدي اليهود عن المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية وخيبر ، وهو اختيار الطبري ؛ لأن كف أيدي المشركين بالحديبية مذكور في قوله : وهو الذي كف أيديهم عنكم [الفتح : 24 ] ابن عباس في وكف أيدي الناس عنكم : يعني : عيينة بن حصن الفزاري ، وعوف بن مالك النصري ، ومن كان معهما ؛ إذ جاءوا لينصروا أهل خيبر ، والنبي صلى الله عليه وسلم محاصر لهم ، فألقى الله عز وجل في قلوبهم الرعب ، وكفهم عن المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها : قال ابن عباس : هي الفتوح التي فتحت للمسلمين ، وعنه أيضا ، وعن الضحاك ، وغيرهما : هي خيبر .

                                                                                                                                                                                                                                      ابن أبي ليلى : فارس والروم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 173 ] مجاهد : هي ما يكون إلى يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : هو فتح مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار : قال قتادة : يعني : كفار قريش في الحديبية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله أي : محبوسا عن أن يبلغ مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم الآية : جواب {لولا} محذوف ؛ والتقدير : ولولا أن تطؤوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم ؛ لأذن الله لكم في دخول مكة ، ولسلطكم عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى (المعرة ) : العيب ، وهي (مفعلة ) من (العر ) ؛ وهو الجرب ؛ أي : يقول المشركون : قد قتلوا أهل دينهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : يصيبكم من قتلهم ما تلزمكم من أجله كفارة قتل الخطأ .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ليدخل الله في رحمته من يشاء أي : لو قتلتموهم ؛ لأدخلهم الله في رحمته .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : المعنى : لم يأذن الله لكم في قتالهم ؛ ليسلم من قضى له أن يسلم [ ص: 174 ] من أهل مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما أي : لو زال المؤمنون من بين أظهر الكفار ؛ لعذب الكفار بالسيف .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية الآية : قال الزهري : حميتهم أنهم لم يقروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يقروا بـ(بسم الله الرحمن الرحيم ) ، وحالوا بين المسلمين وبين البيت ، وكان الذي امتنع من كتاب (بسم الله الرحمن الرحيم ، ومحمد رسول الله ) سهيل بن عمرو ، وقد ذكرت ذلك في «الكبير » .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وألزمهم كلمة التقوى : هي (لا إله إلا الله ) ، عن علي رضي الله عنه وغيره ، وقال عطاء ، وزاد : (محمد رسول الله ) .

                                                                                                                                                                                                                                      الزهري : كلمة التقوى : (بسم الله الرحمن الرحيم ) .

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد : هي (لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وكانوا أحق بها وأهلها : لأن الله تعالى اختارهم لدينه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية