الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى

                                                                                                                                                                                                        4297 حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام عن ابن جريج قال أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق وكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى أحسبه قال كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سورة النساء - بسم الله الرحمن الرحيم ) سقطت البسملة لغير أبي ذر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال ابن عباس : يستنكف : يستكبر ) وقع هذا في رواية المستملي والكشميهني حسب ، وقد وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى ومن يستنكف عن عبادته قال : يستكبر ، وهو عجيب ، فإن في الآية عطف الاستكبار على الاستنكاف فالظاهر أنه غيره ، ويمكن أن يحمل على التوكيد . وقال الطبري : معنى يستنكف يأنف ، وأسند عن قتادة قال : يحتشم . وقال الزجاج : هو استفعال من النكف وهو الأنفة ، والمراد دفع ذلك عنه ، ومنه نكفت الدمع بالإصبع إذا منعته من الجري على الخد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قواما : قوامكم من معايشكم ) هكذا وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، ووصله الطبري من هذا الوجه بلفظ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما يعني قوامكم من معايشكم ، يقول لا تعمد إلى مالك الذي جعله الله لك معيشة فتعطيه امرأتك ونحوها ، [ ص: 86 ] وقوله ( قياما ) القراءة المشهورة بالتحتانية بدل الواو ، لكنهما بمعنى ، قال أبو عبيدة : يقال قيام أمركم وقوام أمركم ، والأصل بالواو فأبدلوها ياء لكسرة القاف ، قال بعض الشراح : فأورده المصنف على الأصل . قلت : ولا حاجة لذلك لأنه ناقل لها عن ابن عباس ، وقد ورد عنه كلا الأمرين : وقيل إنها أيضا قراءة ابن عمر أعني بالواو ، وقد قرئ في المشهور عن أهل المدينة أيضا " قيما " بلا ألف ، وفي الشواذ قراءات أخرى . وقال أبو ذر الهروي قوله " قوامكم " إنما قاله تفسيرا لقوله : ( قياما ) على القراءة الأخرى . قلت : ومن كلام أبي عبيدة يحصل جوابه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : مثنى وثلاث ورباع يعني اثنتين وثلاثا وأربعا ، ولا تجاوز العرب رباع ) كذا وقع لأبي ذر فأوهم أنه عن ابن عباس أيضا كالذي قبله ، ووقع لغيره . وقال غيره : مثنى إلخ " وهو الصواب فإن ذلك لم يرو عن ابن عباس وإنما هو تفسير أبي عبيدة قال : لا تنوين في مثنى لأنه مصروف عن حده ، والحد أن يقولوا اثنين وكذلك ثلاث ورباع لأنه ثلاث وأربع ، ثم أنشد شواهد لذلك ثم قال : ولا تجاوز العرب رباع غير أن الكميت قال :

                                                                                                                                                                                                        فلم يستريثوك حتى رميـ ت فوق الرجال خصالا عشارا

                                                                                                                                                                                                        انتهى . وقيل : بل يجوز إلى سداس ، وقيل إلى عشار . قال الحريري في " درة الغواص " غلط المتنبي في قوله " أحاد أم سداس في أحاد " لم يسمع في الفصيح إلا مثنى وثلاث ورباع ، والخلاف في خماس إلى عشار . ويحكى عن خلف الأحمر أنه أنشد أبياتا من خماس إلى عشار ، وقال غيره : في هذه الألفاظ المعدولة هل يقتصر فيها على السماع أو يقاس عليها ؟ قولان أشهرهما الاقتصار ، قال ابن الحاجب : هذا هو الأصح ، ونص عليه البخاري في صحيحه . كذا قال . قلت : وعلى الثاني يحمل بيت الكميت ، وكذا قول الآخر :

                                                                                                                                                                                                        ضربت خماس ضربة عبشمي أراد سداس أن لا تستقيما



                                                                                                                                                                                                        وهذه المعدولات لا تقع إلا أحوالا كهذه الآية ، أو أوصافا كقوله تعالى أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع أو إخبارا كقوله عليه الصلاة والسلام وصلاة الليل مثنى ولا يقال فيها مثناة وثلاثة ، بل تجري مجرى واحدا ، وهل يقال موحد كما يقال مثنى ؟ الفصيح لا . وقيل يجوز ، وكذا مثلث إلخ . وقول أبي عبيدة إن معنى مثنى اثنتين فيه اختصار وإنما معناه اثنتين اثنتين وثلاث ثلاث ، وكأنه ترك ذلك لشهرته ، أو كان لا يرى التكرار فيه ، وسيأتي ما يتعلق بعدد ما ينكح من النساء في أوائل النكاح إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لهن سبيلا يعني الرجم للثيب والجلد للبكر ) ثبت هذا أيضا في رواية المستملي والكشميهني حسب ، وهو من تفسير ابن عباس أيضا وصله عبد بن حميد عنه بإسناد صحيح ، وروى مسلم وأصحاب السنن من حديث عبادة بن الصامت " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم والمراد الإشارة إلى قوله تعالى حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا وقد روى الطبراني من حديث ابن عباس قال : فلما نزلت سورة النساء قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا حبس بعد سورة النساء وسيأتي البحث في الجمع بين الجلد والرجم للثيب في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 87 ] قوله : باب وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى سقطت هذه الترجمة لغير أبي ذر ، ومعنى ( خفتم ) ظننتم ، ومعنى ( تقسطوا ) تعدلوا ، وهو من أقسط يقال قسط إذا جار وأقسط إذا عدل ، وقيل الهمزة فيه للسلب أي أزال القسط ، ورجحه ابن التين بقوله تعالى ذلكم أقسط عند الله لأن أفعل في أبنية المبالغة لا تكون في المشهور إلا من الثلاثي ، نعم حكى السيرافي في جواز التعجب بالرباعي ، وحكى غيره أن أقسط من الأضداد ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أخبرنا هشام ) هو ابن يوسف ، وهذه الترجمة من لطائف أنواع الإسناد ، وهي ابن جريج عن هشام ، وهشام الأعلى هو ابن عروة والأدنى ابن يوسف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن رجلا كانت له يتيمة فنكحها ) هكذا قال هشام عن ابن جريج فأوهم أنها نزلت في شخص معين ، والمعروف عن هشام بن عروة التعميم ، وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج ولفظه " أنزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة إلخ " وكذا هو عند المصنف في الرواية التي تلي هذه من طريق ابن شهاب عن عروة ، وفيه شيء آخر نبه عليه الإسماعيلي وهو قوله " فكان لها عذق فكان يمسكها عليه " فإن هذا نزل في التي يرغب عن نكاحها ، وأما التي يرغب في نكاحها فهي التي يعجبه مالها وجمالها فلا يزوجها لغيره ويريد أن يتزوجها بدون صداق مثلها ، وقد وقع في رواية ابن شهاب التي بعد هذه التنصيص على القصتين ، ورواية حجاج بن محمد سالمة من هذا الاعتراض فإنه قال فيها " أنزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة وهي ذات مال إلخ " وكذا أخرجه المصنف في أواخر هذه السورة من طريق أبي أسامة ، وفي النكاح من طريق وكيع كلاهما عن هشام .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عذق ) بفتح العين المهملة وسكون المعجمة : النخلة ، وبالكسر الكباسة والقنو ، وهو من النخلة كالعنقود من الكرمة ، والمراد هنا الأول . وأغرب الداودي ففسر العذق في حديث عائشة هذا بالحائط .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان يمسكها عليه ) أي لأجله ، وفي رواية الكشميهني " فيمسك بسببه "

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أحسبه قال : كانت شريكته في ذلك العذق ) هو شك من هشام بن يوسف ، ووقع مبينا مجزوما به [ ص: 88 ] في رواية أبي أسامة ولفظه " هو الرجل يكون عنده اليتيمة هو وليها وشريكته في ماله حتى في العذق فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلا فيشركه في ماله فيعضلها ، فنهوا عن ذلك " ورواية ابن شهاب شاملة للقصتين ، وقد تقدمت في الوصايا من رواية شعيب عنه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية