الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          مع قوله : من لم يصل قائما لعجزه ثوابه كثوابه قائما ، لا ينقص باتفاق أصحابنا . ففرق بين من فعل العبادة على قصور ، وبين من لم يفعل شيئا . وقال ابن حزم : إن التفضيل في هذا وفي صلاة الجماعة على الفذ وفي قوله لا يستوي القاعدون إنما هو على المعذور ، قال : وحديث ذهب أهل الدثور بالأجور يبين أن من فعل الخير ليس كمن عجز عنه ، وليس من حج كمن عجز عن الحج ، فإن ذكروا حديث من كان له حزب من الليل فنام عنه أو مرض ، كتب له قلنا : لا ننكر تخصيص ما شاء الله تخصيصه بالنص ، وإنما ننكره بالظن والرأي ، [ ص: 51 ] كذا قال ، ففرق بين العبادات ، ومشى مع الظاهر ، وروى أبو داود والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم من نام ونيته أن يقوم فنام كتب له ما نوى ولمن يقول بعدم المساواة أن يقول : المراد نية ما نوى ، لا عمله من الليل ، على ظاهره ، يدل عليه ما روى أحمد ومسلم وأهل السنن عن عمر [ رضي الله عنه ] مرفوعا من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل وقال شيخنا : من نوى الخير وفعل ما يقدر عليه منه كان له مثل أجر الفاعل . ثم احتج بحديث أبي كبشة ، وحديث إن بالمدينة لرجالا وحديث إذا مرض العبد وحديث من دعا إلى هدى [ قال : ] وله نظائر ، واحتج بها في مكان آخر ، وبقوله تعالى لا يستوي القاعدون وقال أيضا عن حديث إذا مرض العبد : هذا يقتضي أن من ترك الجماعة لمرض أو سفر وكان يعتادها كتب له أجر الجماعة ، وإن لم يكن يعتادها لم يكتب له ، وإن كان في الحالين إنما له بنفس الفعل صلاة منفرد ، وكذلك المريض إذا صلى قاعدا أو مضطجعا ، قال : ومن قصد الجماعة فلم يدركها كان له أجر من صلى في جماعة ، وقال ابن هبيرة في قول معاذ لأبي موسى : " أما أنا فأنام ثم أقوم ، فأقرأ ، فأحتسب في نومتي ، ما أحتسب في قومتي " متفق عليه ، قال : هذا يدل على أن العبد إذا نوى بالنوم القوة على القيام وإراحة [ ص: 52 ] بدنه للخدمة فإنه يكتب له من الثواب ما يكتب له في حال قيامه ; لأنه يستريح ليدأب ، وينام ليقوم ، فكان حكمه كحكمه وقال : وفي حديث : ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا : كان من حسن فقه الفقراء أن يعلموا أن الله يكتب لهم مثل تسبيح الأغنياء ; لأنهم أخذوه منهم فلهم ثواب من عمل به من الأغنياء وغيرهم ، فلما لم يفقهوا ، حتى جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له فأجابهم : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء يشير إلى الفقه ، فالفضل الذي ذكره هو فضل الآدمي في علمه وفقهه .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية