الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) عطف على ما قبله ; أي اذكروا نعمة الله تعالى عليكم بعنايته بكم ; إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ; أي شارفوا أن يمدوا أيديهم إليكم بالقتل ، فكف أيديهم عنكم ، فلم يستطيعوا تنفيذ ما هموا به وكادوا يفعلونه من الإيقاع بكم . واتقوا الله الذي أراكم قدرته على أعدائكم وقت ضعفكم وقوتهم ، وتوكلوا عليه وحده ، فقد أراكم عنايته بمن يكلون أمورهم إليه بعد مراعاة سننه ، والسير عليها في اتقاء كل ما يخشى ضره وسوء عاقبته ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون بقدرته وعنايته وفضله ورحمته ، لا على أنفسهم أنفسها ، ولا على أوليائهم وحلفائهم ; لأن هؤلاء قد يغدرون كما غدر بنو النضير وغيرهم ; ولأن أنفسهم قد يكثر عليها الأعداء ، وتتقطع بها الأسباب ، فتقع بين أمواج الحيرة والاضطراب ، حتى تفقد البأس ، وتجيب داعي اليأس ، ولا يقع هذا للمؤمن المتوكل على الله تعالى ; لأنه إذا هم أن ييئس من نفسه بتقطع الأسباب ، وتغليق الأبواب ، وتغلب الأعداء ، وتقلب الأولياء ، يتذكر أن الله تعالى وليه ووكيله ، وأنه هو الذي بيده ملكوت كل شيء ، وأنه هو الذي يجير ، ولا يجار عليه ، فتتجدد قوته ، وتنفتق حيلته ، فيفر منه اليأس ، ويتجدد عنه ما اخلولق من البأس ، فينصره الله تعالى بما يستفيد من الإيمان والذكرى والتوكل ، وما يخذل به عدوه ويلقي في قلبه من الرعب ، وبغير ذلك من ضروب عنايته ، عز وجل ، التي رآها كل متوكل من المؤمنين الكملة ، مع سيد المتوكلين محمد صلى الله عليه وسلم أيام ضعفهم وقلتهم وفقرهم ، وتألب الناس كلهم عليهم .

                          وجملة القول أن الله تعالى أمرنا بالتقوى ثم بالتوكل ؛ وإنما التقوى بذل الجهد في الوقاية من كل سوء وكل شر ومن مبادئ ذلك وأسبابه . ولا تحصل حقيقة التوكل إلا بالسير على سنة الله تعالى في نظام الأسباب والمسببات ; لأن من يوكل الأمر إليه يجب أن يطاع . ومن تنكب سنن الله تعالى في العالم وخالف شرعه فيما أمر به من عمل نافع ، ونهى عنه من عمل ضار ، لا يصح أن يسمى متوكلا عليه واثقا به ، وقد حققنا مسألة التوكل والأسباب في تفسير آل عمران ( راجع ص 168 - 175 من جزء التفسير الرابع ، ط الهيئة ) .

                          [ ص: 231 ]

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية