الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : أن كلمة ( إلى ) لانتهاء الغاية ، فظاهر الآية أن الصوم ينتهي عند دخول الليل ، وذلك لأن غاية الشيء مقطعه ومنتهاه ، وإنما يكون مقطعا ومنتهى إذا لم يبق بعد ذلك ، وقد تجيء هذه الكلمة لا للانتهاء كما في قوله تعالى : ( إلى المرافق ) [ المائدة : 6 ] إلا أن ذلك على خلاف الدليل ، والفرق بين الصورتين أن الليل ليس من جنس النهار ، فيكون الليل خارجا عن حكم النهار ، والمرافق من جنس اليد فيكون داخلا فيه ، وقال أحمد بن يحيى : سبيل إلى الدخول والخروج ، وكلا الأمرين جائز ، تقول : أكلت السمكة إلى رأسها ، وجائز أن يكون الرأس داخلا في الأكل وخارجا منه ، إلا أنه لا يشك ذو عقل أن الليل [ ص: 96 ] خارج عن الصوم ، إذ لو كان داخلا فيه لعظمت المشقة ودخلت المرافق في الغسل أخذا بالأوثق ، ثم سواء قلنا إنه مجمل أو غير مجمل ، فقد ورد الحديث الصحيح فيه ، وهو ما روى عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " إذا أقبل الليل من ههنا ، وأدبر النهار من ههنا ، وقد غربت الشمس فقد أفطر الصائم " ، فهذا الحديث يدل على أن الصوم ينتهي في هذا الوقت ، فأما أنه يجب على المكلف أن يتناول عند هذا الوقت شيئا ، فالدليل عليه ما روى الشافعي - رضي الله تعالى عنه - بإسناده عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الوصال ، قيل : يا رسول الله تواصل ، أي كيف تنهانا عن أمر أنت تفعله ؟ فقال : إني لست مثلكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ، وقيل فيه معان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه كان يطعم ويسقى من طعام الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : إني على ثقة من أني لو احتجت إلى الطعام أطعمني مواصلا . وحكى محمد بن جرير الطبري عن ابن الزبير ، أنه كان يواصل سبعة أيام ، فلما كبر جعلها خمسا ، فلما كبر جدا جعلها ثلاثا ، فظاهر كلام الشافعي - رضي الله عنه - يدل على أن هذا النهي نهي تحريم ، وقيل : هو نهي تنزيه ، لأنه ترك للمباح ، وعلى هذا التأويل صح فعل ابن الزبير . إذا عرفت هذا ، فنقول : إذا تناول شيئا قليلا ولو قطرة من الماء ، فعلى ذلك هو بالخيار في الاستيفاء إلا أن يخاف المرء من التقصير في صوم المستأنف ، أو في سائر العبادات ، فيلزم حينئذ أن يتناول من الطعام قدرا يزول به هذا الخوف .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية