الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في الحذر من الناس

                                                                      4861 حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا نوح بن يزيد بن سيار المؤدب حدثنا إبراهيم بن سعد قال حدثنيه ابن إسحق عن عيسى بن معمر عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء الخزاعي عن أبيه قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح فقال التمس صاحبا قال فجاءني عمرو بن أمية الضمري فقال بلغني أنك تريد الخروج وتلتمس صاحبا قال قلت أجل قال فأنا لك صاحب قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت قد وجدت صاحبا قال فقال من قلت عمرو بن أمية الضمري قال إذا هبطت بلاد قومه فاحذره فإنه قد قال القائل أخوك البكري ولا تأمنه فخرجنا حتى إذا كنت بالأبواء قال إني أريد حاجة إلى قومي بودان فتلبث لي قلت راشدا فلما ولى ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم فشددت على بعيري حتى خرجت أوضعه حتى إذا كنت بالأصافر إذا هو يعارضني في رهط قال وأوضعت فسبقته فلما رآني قد فته انصرفوا وجاءني فقال كانت لي إلى قومي حاجة قال قلت أجل ومضينا حتى قدمنا مكة فدفعت المال إلى أبي سفيان

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء ) : بفتح الفاء وسكون الغين المعجمة والمد [ ص: 171 ] هكذا في أكثر النسخ ، وكذا ضبطه الحافظ في الإصابة ، وهكذا في التقريب وهو الصحيح .

                                                                      وفي بعض النسخ بالعين المهملة وهكذا في الخلاصة .

                                                                      والحديث أخرجه أيضا أحمد في مسنده من طريق نوح بن يزيد مثله فقال فيه عبد الله بن عمرو بن الفغواء كما عند المؤلف ، وهكذا رواه يحيى بن معين عن نوح بن يزيد ، فقال فيه عبد الله بن عمرو بن الفغواء : أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب .

                                                                      وأما عمر بن شبة والبغوي فأخرجاه من طريق محمد بن إسحاق عن عيسى بن معمر فقال فيه عبد الله بن علقمة بن الفغواء عن أبيه فذكر الحديث .

                                                                      قال الحافظ في الإصابة : علقمة بن الفغواء الخزاعي قال ابن حبان وابن الكلبي له صحبة ، ثم ساق هذا الحديث من روايته ثم قال وهو عند أبي داود وغيره من طريق ابن إسحاق ، لكن قال عن عبد الله بن عمرو بن الفغواء عن أبيه ولعلقمة حديث آخر .

                                                                      وقال في ترجمة عمرو بن الفغواء هو أخو علقمة : قال ابن السكن له صحبة . وأخرج له أبو داود حديثا تقدم في ترجمة أخيه علقمة . انتهى .

                                                                      ( يقسمه في قريش بمكة ) : ولفظ عمر بن شبة والبغوي كما في الإصابة بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال إلى أبي سفيان بن حرب في فقراء قريش وهم مشركون يتألفهم ( التمس صاحبا ) : أي رفيقا لأجل السفر ( إذا هبطت ) : أي نزلت ( بلاد قومه ) : الضمير لعمرو بن أمية .

                                                                      ولفظ ابن شبة : فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لي دونه يا علقمة إذا بلغت بلاد بني ضمرة فكن من أخيك من حذر ، فإني قد سمعت قول القائل أخوك البكري لا تأمنه ( فاحذره ) : أي خفه يشبه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خاف من عمرو بن أمية ولم يأمن منه من أن [ ص: 172 ] يخبر قومه بالمال الذي مع عمرو بن الفغواء ويشيرهم بأخذ المال فيقطعون الطريق ويجادلون عمرو بن الفغواء ويغلبونه ويأخذون المال عنه بالقهر والظلم ، ولعل هذا الخوف من عمرو بن أمية وعدم الطمأنينة عليه كان في أول الإسلام ثم صار بعد ذلك من خيار الصحابة وأجلائهم والله أعلم .

                                                                      ( فإنه ) : أي الشأن ( أخوك البكري ) : بكسر الباء أول ولد الأبوين أي أخوك شقيقك احذره ( فلا تأمنه ) : فضلا عن الأجنبي ، فأخوك مبتدأ والبكري نعته والخبر محذوف تقديره يخاف منه ، والقصد التحذير من الناس حتى الأقرب كذا في السراج المنير .

                                                                      وقال الخطابي : هذا مثل مشهور للعرب وفيه إثبات الحذر واستعمال سوء الظن وأن ذلك إذا كان على وجه طلب السلامة من شر الناس لم يأثم به صاحبه . انتهى .

                                                                      والحاصل أنه لا ينبغي أن يعتمد حق الاعتماد في السفر على كل أحد من الناس لأن النية قد تتبدل بأدنى أحوال وتتغير بأقل شيء فلا يعتبر بها ، بل لا بد لكل عابري سبيل أن يراعي حاله ويحفظ متاعه ولا يتكل على غيره .

                                                                      ( فخرجنا حتى إذا كنت بالأبواء ) : بفتح الهمزة وسكون الباء والمد جبل بين مكة والمدينة وعنده بلد ينسب إليه كذا في النهاية . وفي مراصد الاطلاع : الأبواء قرية من أعمال الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا ، وقيل جبل عن يمين المصعد إلى مكة من المدينة . انتهى .

                                                                      ( قال ) : أي عمرو بن أمية ( إني أريد حاجة إلى قومي ) : والظاهر أن عمرا ليس له حاجة إلى قومه إلا إخباره لقومه بالمال ( بودان ) : بفتح الواو وتشديد الدال قرية جامعة قريبا من الجحفة ( فتلبث ) : أي تمكث وتقف ( قلت راشدا ) : أي سر راشدا .

                                                                      قال في المصباح الرشد الصلاح وهو خلاف الغي والضلال وهو إصابة الصواب . انتهى .

                                                                      ( فلما ولى ) : أي أدبر عمرو بن أمية وذهب إلى قومه ( ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم - : أي إذا هبطت بلاد قومه فاحذره ( فشددت على بعيري ) : أي أسرعت السير راكبا على بعيري .

                                                                      قال في لسان العرب : شد في العدو شدا ، واشتد أسرع وعدا ( حتى خرجت ) : [ ص: 173 ] أي من الأبواء ( أوضعه ) : بصيغة المضارع المتكلم من الإيضاع أي أسرع البعير وأحمله على العدو .

                                                                      قال في لسان العرب : وضع البعير إذا عدا وأوضعته إذا حملته عليه .

                                                                      وقال الخطابي : الإيضاع الإسراع في السير ، والجملة حال من ضمير خرجت أي حتى خرجت من الأبواء مسرعا بعيري وحاملا إياه على العدو ( حتى إذا كنت بالأصافر ) : قال في مراصد الاطلاع : الأصافر جمع أصفر ثنايا سلكها النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى بدر ، وقيل : الأصافر جبال مجموعة تسمى بهذا . انتهى .

                                                                      ( إذا ) : للمفاجأة ( هو ) : أي عمرو بن أمية ( يعارضني ) : قال في لسان العرب : عارض الشيء بالشيء معارضة قابله ، وفلان يعارضني أي يباريني . وقال في منتهى الأرب : باراه مباراة برابري ونبرد نمود باوي دركاري .

                                                                      والمعنى حتى إذا وصلت بالأصافر فإذا عمرو بن أمية موجود حال كونه يقابلني ويباريني ليقطع الطريق ويأخذ المال الذي معي ( في رهط ) : حال من فاعل يعارض أي كائنا في رهط .

                                                                      والرهط عدد يجمع من ثلاثة إلى عشرة ، وبعض يقول من سبعة إلى عشرة وما دون السبعة إلى الثلاثة نفر ، وقيل الرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة كذا في اللسان ( وأوضعت ) : أي البعير وحملته على العدو ، وهذا الإيضاع من عمرو بن الفغواء كان لأجل أن يسبق عمرو بن أمية ورهطه ولا يلحقوه وكان شده على بعيره من الأبواء لكي يخرج منه ولا يلاقيه عمرو بن أمية بعد رجوعه من قومه ( فسبقته ) : الضمير المنصوب لعمرو بن أمية ، أي سبقت عمرو بن أمية ورهطه ولم يجدوني ( فلما رأى ) : أي عمرو بن أمية ( أن قد فته ) : بصيغة المتكلم من فات يفوت ( انصرفوا ) : أي رهط عمرو بن أمية .

                                                                      والمعنى لما رأى عمرو بن أمية ورهطه أني تجاوزت عنهم ويئسوا مما أرادوا رجع رهط عمرو ( و ) : لكن عمرو ( جاءني ) : أي لم يرجع بل سار حتى جاءني ( فقال كانت لي إلى قومي حاجة ) : إنما قال عمرو بن أمية هذا لئلا يطلع عمرو بن الفغواء على ما أراد من قطع الطريق وأخذ المال ولكن قد كان هو مطلعا على هذا من قبل لقوله صلى الله عليه وسلم إذا هبطت بلاد [ ص: 174 ] قومه فاحذره .

                                                                      ( قلت أجل ) : أي نعم كان لك إلى قومك حاجة ، وإنما قال هذا على حسب الظاهر وإلا فقد كان واقفا على ما ذهب عمرو بن أمية إلى قومه لأجله ( ومضينا ) : أي سرنا .

                                                                      قال المنذري : في إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وقد تقدم الكلام عليه .




                                                                      الخدمات العلمية