الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( فصل وإن اجتمعت حدود الله ) تعالى ( وفيها قتل مثل أن سرق وزنا وهو محصن وشرب ) الخمر ( وقتل في المحاربة استوفي القتل وسقط سائرها ) لما روى سعيد بسنده عن ابن مسعود أنه قال : " إذا اجتمع حدان أحدهما القتل أحاط القتل ذلك ولأن هذه الحدود تراد لمجرد الزجر ومع القتل لا حاجة إلى زجره لأنه لا فائدة فيه ويفارق القصاص فإن فيه غرض التشفي والانتقام ولا يقصد به مجرد الزجر ( لكن ينبغي أن يقتل للمحاربة لأنه حق آدمي ) وإنما أثرت المحاربة محتمة وحق الآدمي يجب تقديمه ( ويسقط الرجم ) كما لو مات ( وإن لم يكن فيها ) أي حدود الله ( قتل فإن كانت من جنس مثل أن زنى ) مرارا ( أو سرق ) مرارا ( أو شرب ) الخمر ( مرارا قبل إقامة الحد أجزأ حد واحد فتتداخل السرقة كغيرها ) قال ابن المنذر أجمع على هذا كله من يحفظ عنه من أهل العلم وذلك لأن الغرض الزجر عن إتيان مثل ذلك في المستقبل وهو حاصل بالحد الواحد .

                                                                                                                      ( ولو طالبوا ) أي المسروقين منهم ( متفرقين ) فيكفي القطع للكل ( فإن أقيم عليه الحد ) لمعصية ( ثم حدثت جناية أخرى ) توجب الحد ( ففيها حدها ) كما لو حنث في يمينه وكفر ثم حلف أخرى وحنث فيها ( وإن كانت ) الحدود ( من أجناس ) كما لو زنى وشرب [ ص: 86 ] الخمر وسرق ولم يكن محصنا ( استوفيت كلها ) قال في المبدع بغير خلاف علمناه لأن التداخل إنما هو في الجنس الواحد ، فلو سرق وأخذ المال في المحاربة قطع لذلك ويدخل فيه القطع في السرقة لأن محل القطعين واحد ( ويجب الابتداء بالأخف فالأخف فإذا شرب ) الخمر ( وزنا ) وهو غير محصن ( وسرق حد للشرب ) لأنه أخف ( ثم للزنا ثم قطع ) للسرقة ولا يوالي بين هذه الحدود لأنه ربما يفضي إلى التلف .

                                                                                                                      ( ولو بدأ بغير الأخف وقع الموقع ) لحصول المقصود وهو الزجر ( وتستوفى حقوق الآدميين كلها ) سواء كان فيها قتل أو لم يكن لأن حق الآدمي مبني على الشح والضيق ( ويبدأ بغير قتل ) لأن البداءة به تفوت استيفاء باقي الحقوق فيبدأ ( بالأخف فالأخف منها وجوبا ) لحقوق الله تعالى ( فيحد للقذف ثم يقطع لغير السرقة ) لأن القطع للسرقة حق الله تعالى ( ثم يقتل فإن اجتمعت ) . أي حدود الآدمي ( مع حدود الله تعالى ولم يتفقا ) أي الحدان ( في محل واحد بدأ بها ) أي بحدود الآدمي لأنها مبنية على الشح والضيق .

                                                                                                                      ( و ) يبدأ ( بالأخف فالأخف وجوبا ) كما لو انفردت ( فإن لم يكن فيها قتل استوفيت كلها ، ولا يتداخل القذف والشرب ) لاختلاف جنسيهما ( فإذا زنا ) غير محصن ( وشرب ) الخمر ( وقذف ) محصنا ( وقطع يدا ) عمدا عدوانا من مكافئ ( قطعت يده ) قصاصا ( أولا ) لأن ذلك محض حق آدمي فقدم بخلاف القذف فإنه مختلف فيه هل هو حق لله أو لآدمي ( ثم حد للقذف ) لأن الصحيح أنه حق آدمي ( ثم ) حد ( للشرب ) لأنه أخف من الزنا ( ثم ) حد ( للزنا فقدموا أي الأصحاب هنا القطع على حد القذف وهو أي حد القذف أخف من القطع ) لأن القطع محض حق آدمي بخلاف حد القذف كما أشار إليه في تصحيح الفروع .

                                                                                                                      ( وإن كان فيها ) أي الحدود ( قتل فإن حدود الله ) تعالى ( تدخل في القتل سواء كان القتل من حدود الله ) تعالى ( كالرجم في الزنا والقتل في المحاربة و ) القتل ( للردة أو حق آدمي ) محض ( كالقصاص ) فإنه محض حق آدمي بخلاف القتل في المحاربة فإنه لم يتمحض للآدمي لأن تحتمه حق الله تعالى وهو مراده فيما مر وأما حقوق الآدميين فتستوفى كلها ( ثم إن كان القتل حقا لله ) تعالى ( استوفيت الحقوق كلها متوالية من غير انتظار برء الأول فالأول لأنه لا بد من فوات نفسه ) أي المحدود فلا فائدة في الانتظار ( وإن كان القتل حقا لآدمي ) كالقصاص ( انتظر باستيفاء ) الحد ( الثاني برؤه من الأول ) لأن فوات نفسه ليس محققا لأنه قد يعفو ولي القصاص عنه .

                                                                                                                      ( وإن اتفق حق الله [ ص: 87 ] وحق الآدمي في محل واحد كالقتل والقطع قصاصا واحدا مثل : أن قتل ) عمدا مكافئا ( وإن عفا ولي الجناية ) عن القصاص ( استوفى الحد ) كما لو لم يعف ( وذكر ابن البناء من قتل بسحر قتل حدا وللمسحور من ماله ) أي الساحر ( ديته فيقدم حق الله تعالى انتهى ) وصححه في الإنصاف في الجنايات وقطع به المصنف هناك ( فإن سرق وقتل في المحاربة ولم يأخذ المال قتل حتما ) للقتل ( ولم يصلب ) لأنه لم يأخذ مالا ( ولم تقطع يده ) للسرقة لأنه حد لله تعالى فيدخل في القتل ( وإن قتل مع المحاربة جماعة قتل بالأول ولأولياء الباقين ) من القتل ( دياتهم ) في مال القاتل كما لو مات لتعذر القصاص .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية