الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد: والنجم إذا هوى : والثريا إذا سقطت مع الفجر، وعنه أيضا: والقرآن إذا نزل.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: المراد بـ {والنجم} : النجوم إذا سقطت يوم القيامة، وعنه أيضا قال: أقسم الله تبارك وتعالى بالنجم إذا غار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل المراد به: النجوم التي ترجم بها الشياطين، والتوحيد فيه إذا أريد به النجوم- على طريق الجنس، ومعنى (هوى) على هذا: قصد، ومعناه إذا جعل القرآن-: نزل، وإذا جعل النجم يغيب؛ فمعناه: إذا سقط في مستقره.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 248 ] وجواب القسم قوله: ما ضل صاحبكم ؛ يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم؛ أي: ما ضل عن الحق.

                                                                                                                                                                                                                                      وما غوى أي: وما زال عنه، وقيل: معنى: وما غوى : ما خاب مما طلب، وقيل: ما صار غاويا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ وما ينطق عن الهوى أي: ما ينطق محمد عن الهوى؛ أي: عن هواه، إنما ينطق عن الوحي].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: علمه شديد القوى يعني: جبريل عليه السلام في قول سائر المفسرين سوى الحسن، فإنه قال: هو الله عز وجل، ويكون قوله: ذو مرة على قول الحسن- تمام الكلام، ثم قال: {فاستوى وهو بالأفق الأعلى ؛ أي: استوى جبريل ومحمد عليهما الصلاة والسلام بالأفق الأعلى، قاله الربيع بن أنس، والفراء: فهذا على العطف على المضمر المرفوع بـ {وهو} .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي عن الحسن أيضا: أن معناه: فاستوى الله تعالى على العرش.

                                                                                                                                                                                                                                      [وقيل: المعنى: فاستوى جبريل بالأفق الأعلى، وهو أصح الأقوال].

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى قوله: ذو مرة : ذو قوة، وأصله من شدة فتل الحبل؛ كأنه استمر به الفتل حتى بلغ إلى حال يصعب معها الحل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 249 ] وعن ابن عباس: أن المعنى: ذو منظر حسن، وعن قتادة: ذو خلق طويل حسن، وقيل: معناه: ذو صحة جسم، وسلامة من الآفات، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي)) .

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد به على جميع هذه الأقوال: جبريل عليه السلام، سوى القول الأول الذي هو القوة؛ فإنه يصلح أن يوصف به الله عز وجل، ويصلح أن يكون لجبريل عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وهو بالأفق الأعلى : جملة في موضع الحال؛ والمعنى: فاستوى عاليا؛ أي: استوى جبريل عاليا على صورته، ولم يكن النبي عليه الصلاة والسلام قبل ذلك يراه عليها.

                                                                                                                                                                                                                                      و(الأفق) : ناحية السماء، وجمعه: (آفاق) ، قتادة: هو الموضع الذي تأتي منه الشمس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ثم دنا فتدلى أي: دنا جبريل فتدلى، عن الحسن، وقتادة، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فكان قاب قوسين أو أدنى أي: كان جبريل من محمد في مكان لو رأيتموه لقلتم: مقداره قوسان من القسي العربية أو أقل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: {أو} بمعنى: الواو، وقيل: بمعنى: (بل) .

                                                                                                                                                                                                                                      و(قاب القوس) : قدر طولها، وإنما مثل ذلك بالقوس؛ لأن مقدارها [ ص: 250 ] واحد، لا يتفاوت بالزيادة والنقصان، وقيل: إن معنى قاب قوسين : قدر الوتر من القوس مرتين.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن ابن عباس في قوله: ثم دنا فتدلى : أن معناه: أن الله تعالى دنا من محمد صلى الله عليه وسلم، وروى نحوه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ والمعنى: دنا منه أمره وحكمه.

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب الفراء: إلى أن الفاء في {فتدلى} بمعنى الواو؛ والتقدير: ثم تدلى جبريل، ودنا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فأوحى إلى عبده ما أوحى : قيل: المعنى: فأوحى الله إلى عبده محمد ما أوحى، وقيل: المعنى: فأوحى الله إلى عبده جبريل ما أوحى، وقيل: المعنى: فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ما كذب الفؤاد ما رأى أي: ما كذب فؤاد محمد في ما رأى.

                                                                                                                                                                                                                                      و {ما} : يجوز أن تكون مع الفعل مصدرا، ويجوز أن تكون بمعنى: (الذي) .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن شدد {كذب} ؛ و {ما} مفعولة بغير حرف مقدر؛ لأنه يتعدى مشددا بغير حرف، ويجوز أن تكون بمعنى: (الذي) ، والعائد محذوف، ويجوز أن تكون مع الفعل مصدرا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 251 ] وقوله: أفتمارونه على ما يرى أي: أفتجادلونه؟ ومن قرأ: {أفتمارونه} ؛ فمعناه: أفتجحدونه؟

                                                                                                                                                                                                                                      المبرد: (مراه عن حقه) ، و(على حقه) ؛ إذا منعه منه، ودفعه عنه، قال: ومثل كون {على} بمعنى: (عن) قول بني كعب بن سعد: (رضي الله عليك) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولقد رآه نـزلة أخرى : قال ابن عباس: المعنى: رأى محمد ربه مرة أخرى بقلبه.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن مسعود، وعائشة رضي الله عنها، وغيرهما: أن المعنى: ولقد رأى محمد جبريل نزلة أخرى على صورته، قال ابن مسعود: قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((رأيت جبريل بالأفق الأعلى له ست مئة جناح، يتناثر من ريشه الدر والياقوت)) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: عند سدرة المنتهى : (السدرة) : النبق.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن مسعود: هي في السماء السادسة، وإليها ينتهي ما يعرج إلى السماء، وما ينزل من فوقها.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن علي رضي الله عنه أنه قال: إليها ينتهي [من كان على سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

                                                                                                                                                                                                                                      كعب: هي شجرة على رءوس حملة العرش، إليها ينتهي] علم الخلائق.

                                                                                                                                                                                                                                      الربيع بن أنس: سميت سدرة المنتهى ؛ لأنها إليها تنتهي أرواح الشهداء.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 252 ] وروى أنس بن مالك عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((رأيت سدرة المنتهى في السماء السابعة، نبقها كقلال هجر، وورقها كآذان الفيلة، يخرج من ساقها نهران ظاهران، ونهران باطنان، فسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الأنهار؛ فقال: أما الظاهران؛ فالنيل والفرات، وأما الباطنان؛ ففي الجنة)) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: عندها جنة المأوى : قيل: الجنة التي أوى إليها آدم عليه السلام، وهي في السماء الرابعة.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: هي التي يصير إليها أهل الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: جنة المأوى : فهو من قولهم: (جنة الليل) ، و(أجنة) .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية