الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وإن ) ( كانت الدابة وحدها ) وقد أرسلها في الصحراء ( فأتلفت زرعا أو غيره نهارا ) ( لم يضمن صاحبها ) أي من وضع يده عليها ، سواء أكانت بحق كمودع أم بغيره كغاصب ، وما نازع به البلقيني في نحو المودع بأن عليه أن لا يرسلها إلا بحافظ رد بأن هذا عليه من حيث حفظها لا من حيث جهة إتلافها ، بل والعادة محكمة فيه كالمالك ( أو ليلا ضمن ) إذ العادة الغالبة حفظ الزرع نهارا والدابة ليلا ، ولذا لو جرت عادة بلد بعكس ذلك انعكس الحكم أو بحفظهما فيهما ضمن فيهما ، أما لو أرسلها في البلد ضمن مطلقا لمخالفته العادة ، ويستثنى من عدم الضمان المذكور في كلامه ما إذا توسطت المراعي والمزارع فأرسلها بلا راع فإنه يضمن ما أفسدته ليلا أو نهارا ; لأن العادة حينئذ عدم إرسالها بلا راع ، ومن ثم لو اعتيد إرسالها بدونه فلا ضمان كما صرحوا به ، وحينئذ فلا استثناء ; لأن المدار في كل على ما اعتيد فيه ، ولو تكاثرت فعجز أصحاب الزرع عن ردها فيضمن أصحابها كما رجحه البلقيني لمخالفته للعادة ، وما لو أرسلها في موضع مغصوب فانتشرت منه لغيره وأفسدته فيضمنه مرسلها ولو نهارا كما بحثه [ ص: 43 ] البلقيني .

                                                                                                                            وإذا أخرجها عن ملكه فضاعت أو رمى عنها متاعا حمل عليها تعديا لا في نحو مفازة فالمتجه نفي الضمان عنه إذ يخاف من بقائها بملكه إتلافها لشيء وإن قل ، بخلاف ما إذا لم يخش ذلك ، ولم يسيبها مالكها فإن الأوجه فيه الضمان ; لأنها حينئذ كثوب طيرته الريح إلى داره فيلزمه حفظها أو إعلامه بها فورا ، وظاهر أن خشية الإتلاف مع العجز عن حفظها كالإتلاف ( إلا أن لا يفرط في ربطها ) بأن أحكمه وأغلق الباب ، واحتاط على العادة فخرجت ليلا لنحو حلها ، أو فتح لص الباب فلا يضمن لعدم تقصيره ، وكذا لو خلاها بمحل بعيد لم يعتد ردها منه للمنزل كما نقله البلقيني واعتمده ( أو ) فرط مالك ما أتلفته كأن عرضه أو وضعه بطريقها أو ( حضر صاحب الزرع ) مثلا ( وتهاون في دفعها ) عنه لتفريطه ، نعم إن حف محله بالمزارع ولزم من إخراجها منه دخولها لها لزمه إبقاؤها بمحله ، ويضمن صاحبها ما أتلفته : أي قبل أن يتمكن من نحو ربط فمها كما هو الأوجه ، وإلا فهو المتلف لماله ، ولو كان الذي يجانبه زرع مالكها اتجه عدم إخراجها له عند تساويهما لانتفاء ضرره في إبقائها ، وأفهم قوله وتهاون جواز تنفيره لها عن زرعه بقدر الحاجة بحيث يأمن من عودها ، فإن زاد ، ولو داخل ملكه ضمن ما لم يكن مالكها سيبها كما مر .

                                                                                                                            ( وكذا إن كان الزرع في محوط له باب تركه مفتوحا في الأصح ) لتقصيره بعدم إغلاقه ، والثاني يضمن [ ص: 44 ] لمخالفته للعادة في ربطها ليلا ( وهرة تتلف طيرا أو طعاما إن عهد ذلك منها ) ولو مرة كما بحثه بعضهم ، ويحتمل ضبطه بما يعلم به تأدب جارحة الصيد ( ضمن مالكها ) يعني من يؤويها ; لأنه كان من حقه ربطها ليكفي غيره شرها ، نعم لو ربطها فانفلتت بغير تقصير منه فلا ضمان ( في الأصح ليلا ونهارا ) لما مر ، ومثلها كل حيوان عرف بالإضرار ، وإن لم يملك فيضمن ذو جمل أو كلب عقور ما يتلفه إن أرسله أو قصر في ربطه ، والثاني لا يضمن ليلا ولا نهارا ; لأن العادة أن الهرة لا تربط ( وإلا ) بأن لم يعهد ذلك منها ( فلا ) يضمن ( في الأصح ) ; لأن العادة حفظ الطعام عنها لا ربطها ولا يجوز قتل من عهد ذلك منها ، إلا حالة عدوها فقط حيث تعين قتلها طريقا لدفعها ، وإلا دفعها كالصائل وشمل ذلك ما لو خرجت أذيتها عن عادة القطط وتكرر ذلك منها .

                                                                                                                            والثاني يضمن في الليل دون النهار كالدابة ، وشمل ما تقرر ما لو كانت حاملا فتدفع كما لو صالت وهي حامل ، وسئل البلقيني عما جرت به العادة من ولادة هرة في محل وتألف ذلك المحل بحيث تذهب وتعود إليه للإيواء فهل يضمن مالك المحل متلفها ؟ وأجاب بعدمه حيث لم تكن في يد أحد ، وإلا ضمن ذو اليد

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : سواء أكانت ) أي اليد ( قوله : محكمة فيه ) أي المودع ( قوله : أما لو أرسلها في البلد ضمن مطلقا ) ظاهره وإن اعتيد إرسالها في البلد وحدها ، وقياس ما يأتي في المراعي المتوسطة خلافه ، بل قد يجعل [ ص: 43 ] قوله الآتي ; لأن المدار في كل إلخ شاملا لهذا ، وصرح بذلك حج ( قوله : أو رمى عنها ) أي عن دابته ( قوله : لا في نحو مفازة ) أي أما في نحو مفازة فوجهان في الروض ، وفي شرحه أن الأوجه الضمان ، وعبارة الروض : وإن حمل متاعه في مفازة على دابة رجل بلا إذن وغاب فألقاه الرجل عنها أو أدخل دابته زرع غيره بلا إذن فأخرجها من زرعه : أي فوق قدر الحاجة كما في شرحه ففي الضمان وجهان ا هـ .

                                                                                                                            قال في شرحه : أحدهما لا لتعدي المالك ، والثاني وهو الأوجه نعم لتعدي الفاعل بالتضييع ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ( قوله : وظاهر ) أي فلا يكون إخراجه لها عند خشية الإتلاف مضمنا ( قوله : فلا يضمن لعدم تقصيره ) أي فلو اختلف المالك وصاحب الزرع في ذلك فيحتمل تصديق المالك في أنه احتاط وأحكم الربط ; لأن الأصل عدم الضمان ، ويحتمل وهو الظاهر تصديق صاحب الزرع ; لأن الإتلاف من الدابة وجد واقتضاؤه الضمان هو الأصل حتى يعلم ما يخالفه ( قوله : وكذا لو خلاها ) أي لا يضمن ( قوله : دخولها لها ) أي للمزارع وإن كان ما في المزارع دون قيمة الزرع الذي هي فيه كقصب وغيره ( قوله أي قبل أن يتمكن ) أي على وجه لا مشقة عليه فيه في العادة ( قوله : من نحو ربط ) أي ربط لا يؤدي إلى إتلاف الدابة ، فإن فعل بها ما يؤدي إلى ذلك ضمنها ، وإذا اختلف المالك والدافع في ذلك فالمصدق الدافع ; لأنه الغارم ( قوله : عند تساويهما ) أي تساوي الزرعين في القيمة ( قوله : بحيث يأمن من عودها ) أي ; لأنه يأخذ قيمته [ ص: 44 ] قوله : ولو مرة كما بحثه بعضهم ) معتمد ( قوله : يعنى من يؤويها ) أي بحيث لو غابت تفقدها وفتش عليها ( قوله : فانفلتت بغير تقصير منه ) أي ويصدق في ذلك ( قوله : ومثلها كل حيوان ) أي فيضمن ذو اليد ما أتلفه الحيوان ، وإن سلمه لصغير لا يقدر على منعه من الإضرار ، بخلاف ما إذا سلمه لمن يقدر على حفظه فأتلف شيئا فلا ضمان على المسلم ولا على من هي معه إن انفلتت منه وأتلفت قهرا عليه ، وإلا فالضمان على من هي في يده كما علم من قوله من كان مع دابة ( قوله : حيث تعين قتلها طريقا ) أي أما إذا لم يتعين بأن أمكن دفعها بضرب أو زجر فلا يجوز قتلها بل يدفعها بالأخف فالأخف كدفع الصائل ، ومنه ما لو كانت الهرة صغيرة لا يفيد معها الدفع بالضرب الخفيف ولكن يمكن دفعها بأن يخرجها من البيت ويغلقه دونها أو بأن يكرر دفعها عنه مرة بعد أخرى فلا يجوز قتلها ولا ضربها ضربا شديدا ( قوله فتدفع ) أي وإن سقط حملها .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : بل والعادة محكمة فيه ) أي فله أن يرسلها بلا حافظ [ ص: 43 ] على العادة ( قوله : لا في نحو مفازة ) أي أما في المفازة فيضمن ، قال في الروض : وإن حمل متاعه في مفازة على دابة رجل بلا إذن وغاب فألقاه الرجل عنها أو أدخل دابته زرع غيره بلا إذن فأخرجها من زرعه ففي الضمان وجهان انتهت .

                                                                                                                            قال في شرحه : أحدهما لا لتعدي المالك . والثاني هو الأوجه نعم لتعدي الفاعل بالتضييع ا هـ ( قوله : إن خاف إلخ ) هذا كله في مسألة الزرع ( قوله : وظاهر أن خشية الإتلاف إلخ ) هذا ذكره ابن حجر بعد ذكره عن الشارح تقييد إخراج الدابة من ملكه بما إذا أتلفت شيئا ، فجعل أعني ابن حجر مثل إتلافها خشيته مع العجز عن حفظها : أي كما قدمه كالشارح فقال عقب كلام ذلك الشارح : وظاهر إلخ ، فظن الشارح هنا أنه [ ص: 44 ] متعلق بصدر المسألة فأورده من غير تأمل فلم يكن له موقع ( قوله : يعني من يؤويها ) أي فليس ملكها قيدا حتى لو كانت مملوكة للغير وآواها غيره تعلق الضمان به وإلا فالهرة تملك كما صرحوا به ، وهو ظاهر لأنها من جملة المباحات تملك بوضع اليد ، هكذا ظهر من تفسير الشارح فانظر هل الحكم كذلك ؟




                                                                                                                            الخدمات العلمية