الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 106 ] كتاب الهدنة

                                                                                                                            من الهدون وهو السكون لسكون الفتنة بها ، إذ هي لغة المصالحة ، وشرعا : مصالحة أهل الحرب على ترك القتال المدة الآتية بعوض أو غيره ، وتسمى موادعة ومسالمة ومعاهدة ومهادنة .

                                                                                                                            والأصل فيها قبل الإجماع أول سورة براءة { ومهادنته صلى الله عليه وسلم قريشا عام الحديبية } ، وكانت سببا لفتح مكة لأن أهلها لما خالطوا المسلمين وسمعوا القرآن أسلم منهم خلق كثير أكثر ممن أسلم قبل ، وهي جائزة لا واجبة أصالة ، وإلا فالأوجه وجوبها إذا ترتب على تركها لحوق ضرر لنا لا يمكن تداركه كما يعلم مما يأتي ( عقدها ) لجميع الكفار أو ( لكفار إقليم ) كالهند ( يختص بالإمام ) ومثله مطاع بإقليم لا يصله حكم الإمام كما هو القياس في نظائره ( ونائبه فيها ) وحدها أو مع غيرها ولو بطريق العموم لما فيها من الخطر ووجوب رعاية مصلحتنا ( و ) عقدها ( لبلدة ) أو أكثر ولو لجميع أهل إقليمه كما صرح به العمراني وهو المعتمد ، وشمل ذلك ما لو فعله الوالي بغير إذن الإمام ( يجوز لوالي الإقليم أيضا ) أي كما يجوز للإمام أو نائبه لاطلاعه على مصالحه ، وبحث البلقيني جوازها مع بلدة مجاورة لإقليمه حيث رآه مصلحة فيها لأهل إقليمه لأنها حينئذ من تعلقات إقليمه ، نعم قوله إنه يتعين استئذان الإمام عند إمكانه يظهر حمله حيث تردد في وجه المصلحة ( وإنما تعقد لمصلحة كضعفنا بقلة عدد وأهبة ) إذ هو الحامل على المهادنة عام [ ص: 107 ] الحديبية ( أو ) عطف على ضعف ( رجاء إسلامهم أو بذل جزية ) أو إعانتهم لنا أو كفهم عن الإعانة علينا أو بعد دارهم ولو مع قوتنا في الجميع ( فإن لم يكن ) بنا ضعف كما في المحرر ورأى المصلحة فيها ( جازت أربعة أشهر ) ولو بدون غرض للآية السابقة ( لا سنة ) لأنها مدة الجزية فامتنع تقريرهم فيها بدون جزية ( وكذا دونها ) وفوق أربعة أشهر ( في الأظهر ) للآية أيضا ، نعم عقدها لنحو نساء ومال لا يتقيد بمدة ، والثاني يجوز لنقصها عن مدة الجزية ( ولضعف ) بنا ( تجوز عشر سنين ) فما دونها بحسب الحاجة ( فقط ) لأنها مدة مهادنة قريش ويمتنع الزيادة على القدر المحتاج إليه في الزائد على الأربعة مع الضعف ، وقول جمع بجوازها على العشر مع الحاجة إليها في عقود متعددة بشرط أن لا يزيد كل عقد على عشرة ، وهو قياس كلامهم في الوقف وغيره صحيح وإن زعم بعضهم أنه غريب ، وقال : إن المعنى المقتضي المنع ما زاد على العشر من كونها المنصوص عليها مع عدم علمنا بما يقع بعدها موجود مع التعدد ففيه مخالفة للنص لأن الأصل عدم الزيادة عليه ، وبه فارق نظائره .

                                                                                                                            نعم إن انقضت المدة مع بقاء الحاجة استأنفنا عقدا آخر وهكذا ، ولو زال نحو خوف أثناءها وجب إبقاؤها ويجتهد الإمام عند طلبهم لها ولا ضرر ويفعل الأصلح وجوبا

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 106 ] عقدها لجميع الكفار أو لكفار إقليم كالهند يختص بالإمام الهدنة كتاب الهدنة ( قوله : على ترك القتال ) الأظهر أن يقال : وشرعا عقد يتضمن مصالحة أهل الحرب إلخ ، وكأنه عبر بما ذكر قصدا للمناسبة بين المعنى الشرعي واللغوي مع كون المقصود معلوما من اشتراط الصيغة في الحقيقة من باب تسمية المؤثر باسم الأثر أو السبب باسم المسبب ( قوله : بإقليم لا يصله ) أي لبعده ( قوله : ولو لجميع أهل إقليمه ) على هذا فما معنى قوله عقدها لكفار إقليم يختص بالإمام ونائبه فيها فإن الحاصل على ما ذكره الوالي كما يعقد لكفار بلده يعقد لجميع الإقليم وبه ساوى الإمام ونائبه ، اللهم إلا أن يقال : أشار بما ذكره إلى أن في عقدها من والي الإقليم لجميع أهله خلافا فمنهم من منعه ومنهم من جوزه كما يفهم من قوله وهو المعتمد ( قوله : وشمل ذلك ) أي قوله ولو لجميع أهل إقليمه ( قوله : حيث رآه مصلحة ) معتمد ( قوله : لأهل إقليمه ) قضية التقييد بأهل إقليمه أنه لا يكفي في جواز عقدها لهم ظهور مصلحة لغير إقليمه كالأمن لمن يمر بهم من المسلمين أو نحو ذلك ، وهو ظاهر لأن توليته تقتضي فعل المصلحة الأصل للإمام الوالي المذكور لم تشمله ( قوله : حيث تردد ) أي أما حيث ظهرت له المصلحة بلا تردد فلا يجب الاستئذان ويصدق في ذلك لأن تولية الإمام استئمان له فيما يتعلق بما ولاه فيه ، ثم [ ص: 107 ] إن أخطأ بأن ظن مصلحة ثم علم الإمام بعدمها نقضها بل يحتمل تبين فساد المهادنة لوقوعها على غير ما يجوز فعله ( قوله : أو بعد دارهم ) يتأمل وجه المصلحة في الهدنة لمجرد بعد دارهم ، وقد يقال هي أن محاربة الكفار ما داموا على الحرابة واجبة ، وهي مع بعد الدار توجب مشقة عظيمة في تجهيز الجيوش إليهم وبالمهادنة يكفي ذلك حتى يأذن الله ( قوله : لأنها ) أي العشر ( قوله : مدة مهادنة قريش ) أي ومع ذلك أراد الله تعالى بنقض ذلك وفتح مكة بعد مدة يسيرة ( قوله : وقول جمع بجوازها ) أي الزيادة ( قوله : صحيح ) وعليه فيفرق بينه وبين ما اعتمده في الإجارة والوقف من البطلان فيما زاد على العقد الأول حيث شرط الواقف أن لا يؤجر أكثر من ثلاث سنين مثلا بالمحافظة على حقن الدماء ما أمكن أخذا مما سيأتي فيما لو آجر الناظر أكثر من المدة المشروطة في عقد واحد ( قوله : عند طلبهم لها ) أي الهدنة



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 106 ] باب الهدنة ( عقد الهدنة لجميع الكفار أو لكفار إقليم كالهند يختص بالإمام ) ( قوله : ومثله مطاع ) أي في أنه يعقد لأهل إقليمه ( قوله : ولو لجميع أهل إقليمه ) فيه رجوع الضمير إلى غير مذكور وكذا الإشارة الآتية ( قوله : وتعين ) استئذان الإمام هو بالنصب عطفا على جوازها [ ص: 107 ] قوله : بنا ضعف ) إنما قصر المتن على هذا مع خروجه عن الظاهر لأنه لا يجوز عقدها على أكثر من أربعة أشهر إلا عند الضعف ، ولا يجوز ذلك عند القوة أصلا وإن اقتضته المصلحة كما صرحوا به فاندفع ما للشهاب ابن قاسم هنا ، وكأنه نظر فيه إلى مجرد المنطوق ( قوله : وإن زعم بعضهم أنه غريب ) الزاعم هو الأذرعي والموجه له بما يأتي هو ابن حجر ، فصواب عبارة الشارح وإن زعم بعضهم أنه غريب ووجهه بعضهم بأن المعنى إلخ ( قوله : نعم إن انقضت المدة إلخ ) [ ص: 108 ] هذا الاستدراك من تتمة التوجيه




                                                                                                                            الخدمات العلمية