الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. وإذا أسلم الحربي ، وجاء إلى دار الإسلام ثم شرب الخمر قبل أن يعلم أنها محرمة عليه لم يحد ; لأن الخطاب لم يبلغه ، فلا يثبت حكم الخطاب في حقه ، وهذا بخلاف المسلم المولود في دار الإسلام إذا شرب الخمر ، ثم قال : لم أعلم أنها حرام ; لأن حرمة الخمر قد اشتهرت بين المسلمين في دار الإسلام ، فالظاهر يكذب المولود في دار الإسلام فيما يقول ، والظاهر لا يكذب الذي جاء من دار الحرب فيما يقول ، فيعذر بجهله ، ولا يقام عليه الحد بخلاف ما إذا زنى ، أو شرب ، أو سرق ، فإنه يقام عليه الحد ، ولا يعذر بقوله لم أعلم ; لأن حرمة الزنا ، والسرقة في الأديان كلها ، فالظاهر يكذبه إذا قال لم أعلم بحرمتها ; ولأن حد السرقة ، والزنا مما تجوز إقامته على الكافر في حال كفره ، وهو الذمي ، فبعد الإسلام ، أولى أن يقام بخلاف حد الخمر ; ولأن حد الزنا ، والسرقة ثبت بنص يتلى ، وحد الخمر بخبر يروى ، فكان أقرب إلى الدرء من حد الزنا ، والسرقة ، ويستوي في حد الزنا إن طاوعته المرأة على ذلك في دار الإسلام ، أو أكرهها ; لأن حرمة الزنا في حقهما جميعا قد اشتهرت ، وإذا شرب قوم نبيذا ، فسكر بعضهم دون بعض حد من سكر ; لأن مشروب بعضهم غير مشروب البعض ، فيعتبر في حق كل واحد منهم حاله كأنه ليس معه غيره .

( ألا ترى ) أن القوم إذا سقوا خمرا على مائدة ، فمن علم أنه خمر لزمه الحد ، ومن لم يعلم ذلك منهم لم يلزمه الحد ، والمحرم في حد الخمر كالحلال ; لأنه لا تأثير للمحرم ، والإحرام في إباحة الشرب ، ولا في المنع من إقامة هذا الحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية