الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل الرابع

          وأما ما ورد عن السلف ، والأئمة من اتباع سنته ، والاقتداء بهديه ، وسيرته

          فحدثنا الشيخ أبو عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد الفقيه سماعا عليه ، قال : حدثنا أبو عمر الحافظ ، حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، ووهب بن مسرة ، قالا : حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا يحيى بن يحيى ، حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن رجل من آل خالد بن أسيد أنه سأل عبد الله بن عمر ، فقال : يا أبا عبد الرحمن إنا نجد صلاة الخوف وصلاة [ ص: 375 ] الحضر في القرآن ، ولا نجد صلاة السفر . فقال ابن عمر : يا ابن أخي ، إن الله بعث إلينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، ولا نعلم شيئا ، فإنما نفعل كما رأيناه يفعل .

          وقال عمر بن عبد العزيز : سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وولاة الأمر بعده سننا ، الأخذ بها تصديق بكتاب الله ، واستعمال بطاعة الله ، وقوة على دين الله ، ليس لأحد تغييرها ، ولا تبديلها ، ولا النظر في رأي من خالفها ، من اقتدى بها فهو مهتد ، ومن انتصر بها منصور ، ومن خالفها ، واتبع غير سبيل المؤمنين ، ولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم ، وساءت مصيرا .

          وقال الحسن بن أبي الحسن : عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة .

          وقال ابن شهاب : بلغنا عن رجال من أهل العلم قالوا : الاعتصام بالسنة نجاة .

          وكتب عمر بن الخطاب إلى عماله بتعلم السنة ، والفرائض ، واللحن ، أي اللغة ، وقال : إن ناسا يجادلونكم يعني بالقرآن فخذوهم بالسنن ، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله .

          وفي خبره حين صلى بذي الحليفة ركعتين ، فقال : أصنع كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع .

          وعن علي حين صلى ، فقال له عثمان : ترى أني أنهى الناس عنه ، وتفعله ! قال : لم أكن أدع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقول أحد من الناس .

          وعنه : ألا إني لست بنبي ، ولا يوحى إلي ، ولكني أعمل بكتاب الله ، وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - ما استطعت .

          وكان ابن مسعود يقول : القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة .

          [ ص: 376 ] وقال ابن عمر : صلاة السفر ركعتان من خالف السنة كفر .

          وقال أبي بن كعب : عليكم بالسبيل والسنة ، فإنه ما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه ففاضت عيناه من خشية ربه ، فيعذبه الله أبدا ، وما على الأرض من عبد على السبيل ، والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها ، فهي كذلك إذا أصابتها ريح شديدة ، فتحات عنها ورقها إلا حط الله خطاياه كما تحات عن الشجرة ورقها ، فإن اقتصادا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل ، وسنة ، وموافقة بدعة ، وانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهادا واقتصادا أن يكون على منهاج الأنبياء وسنتهم .

          وكتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إلى عمر بحال بلده ، وكثرة لصوصه ، هل يأخذهم بالظنة أو يحملهم على البينة ، وما جرت عليه السنة ؟

          فكتب إليه عمر : خذهم بالبينة ، وما جرت عليه السنة ، فإن لم يصلحهم الحق فلا أصلحهم الله .

          وعن عطاء في قوله : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول [ النساء : 59 ] : أي إلى كتاب الله ، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

          وقال الشافعي : ليس في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا اتباعها .

          وقال عمر ، ونظر إلى الحجر الأسود : إنك حجر لا تنفع ولا تضر ، ولولا أني رأيت [ ص: 377 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك ، ثم قبله .

          ورئي عبد الله بن عمر يدير ناقته في مكان فسئل عنه ، فقال : لا أدري إلا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعله ، ففعلته .

          وقال أبو عثمان الحيري : من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة .

          وقال سهل التستري : أصول مذهبنا ثلاثة : الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في الأخلاق ، والأفعال ، والأكل من الحلال ، وإخلاص النية في جميع الأعمال .

          وجاء في تفسير قوله - تعالى - : والعمل الصالح يرفعه [ فاطر : 10 ] إنه الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

          وحكي عن أحمد بن حنبل : قال : كنت يوما مع جماعة تجردوا ، ودخلوا الماء ، فاستعملت الحديث من كان يؤمن بالله ، واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ولم أتجرد ، فرأيت تلك الليلة قائلا لي : يا أحمد ، أبشر ، فإن الله قد غفر لك باستعمالك السنة ، وجعلك إماما يقتدى بك .

          قلت : من أنت ؟ قال : جبريل .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية