الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الركن الخامس : الربح ، وفي الجواهر له شرطان : أن يكون معلوما مضبوطا بالجزء لا بالعدد احترازا من قوله لك من الربح ما شرط فلان ، أو لك من الربح عشرة دنانير ، ولا يشترط تخصيصه بالعامل ، بل لو شرطه للمساكين ; لأنها صدقة من العامل ، أو لك ; لأنها هبة منافعه لك ، ووافقنا ( ش ) فيما تقدم ، ومنع ( ح ) تخصيصه بأحدهما ; لأن موضوعه الشركة فلا يغير وقال ( ش ) إن شرطته لنفسك فهو بضاعة ، أو له فهو قرض ; ونحن نجوز الأمرين ; لأن إسقاط الحقوق من مالكها مجمع عليه ، وفي الكتاب : إن لم يسمه وتصادقا على ذلك ، أو قال لك شرك ولم يسمه فله قراض مثله تنزيلا للإطلاق على ما قيده العرف ، وأبطله ( ش ) لعدم التعيين ، وقال غيره في [ ص: 39 ] الكتاب في الشرك له النصف ، كما لو قال : فلان شريكي له النصف ، وفي التنبيهات إذا قال : الربح كله للعامل ، قال سحنون : يكون ضامنا كالسلف ، قال : فضل ذلك إذا لم يشترط عدم الضمان ; لأن الشرط يخرجه عن القراض ، وقاله في الكتاب . قال اللخمي : إذا قال : خذه قرضا أو على أن لك جزءا ولم يسم شيئا فسد ، وإذا قال : اعمل به ولك ربحه ولم يسمه قراضا ضمنه العامل ، وإن سماه فلا ، ولفظ القراض كاشتراك عدم الضمان ، وضمنه سحنون وإن سماه ، ويمتنع لك من الربح دينار ، فقد يكون كمال الربح ، ويجوز لك دينار من جملة المال إن سلم وعاد إلي ; لأنها جعالة بشيء معلوم ، ويجوز لك دينار من عشرة ; لأنه العشر ولك دينار والباقي بيننا نصفان ، يمتنع ; لأن الربح كله قد يكون دينارا .

                                                                                                                فرع : في الكتاب لك نقله بعد العمل عن النصف إلى الثلثين له أو لك كالزيادة في الجعل ، قال اللخمي : يجوز ذلك قبل العمل وبعده عند ابن القاسم . ومنع ابن حبيب بعد العمل للتهمة في عدم المعروف بل لطلب الاستمرار ، فإن تفاصلا جاز اتفاقا ، قال ابن يونس : قال ابن حبيب : إن كان المال عند الزيادة لا زيادة فيه ولا نقص جاز حركه أو لا ; لأن كليكما ملك المقاسمة . وإلا فلا تهمة ، قيل : إذا قبل رب المال بعد العمل الثلث وكان له الثلثان ، فهي هبة مقبوضة مات رب المال أو فلس ، وإن كان ذلك للعامل فمات سقطت ; لأنها هبة لم تقبض .

                                                                                                                [ ص: 40 ] فرع : في الكتاب تمتنع مقارضة رجلين لأحدهما ثلث الربح وللآخر سدسه خلافا ل ( ش و ح ) ، كما لو اشتركا على مثل ذلك ; لأن أحدهما يأخذ بعض ربح صاحبه ، احتجا بأنهما في المعنى عقدان ، والقسمة في الشركة على الأموال لا على العمل ، ولا مال لهما هاهنا وليست عندهما من شركة الأبدان كما قلناه ، قال صاحب التنبيهات : قيل ظاهر كلامه : إذا كان عملهما على قدر نصيبهما لتشبيهه بالشركة ، وقال حمديس إن عملا مضى . قال فضل القياس ردهما إلى قراض مثلهما ; لأنها زيادة داخلة على المال على أصله ، وقيل : يجوز ، كأن رب المال وهب أحدهما قال ابن يونس إذا اشترطت التفاوت ، فهما أجيران لفساد العقد ، وقال أصبغ : إذا مضى بالعمل فالنصف للعاملين على ما شرطناه ويرجع صاحب السدس على صاحب الثلث بفضل أجرته ; لأنه عمل أكثر منه ، قال ابن حبيب ذلك إلا أن يكون أكثر مما فضله به من الربح ، قال محمد لو شرطوا العمل على قدر الأنصباء ، كره فقط ، قال اللخمي : إن شاركت كل واحد بانفراده على التفاوت فاشترطا من غير رضاك أو برضاك من غير شرط في القراض جاز ، وليس لأحدهما إلا ما رضي به ، وإن كان بشرطك فسد عند ابن القاسم ، والقياس الجواز ; لأن كل واحد له بيع منافعه بما شاء ، وإن قلت : اعملا على أن لكل واحد منكما ربع الربح ولم تشترط عملهما معا ، فعملا على فضل أحدهما الآخر فهي شركة فاسدة ويستويان في الربح إن استويا في العمل المفروض لهما ، وإن فضل صاحبه بعد العمل على المساواة جاز ; لأنها هبة وإن قلت : لي النصف ولكما النصف ثم اختلفا في قسمته بينهما قضي بينهما على قدر نهضتهما في التجر ; لأنه الذي يشترطه لو انفرد فهذه ست حالات لشركة التفاوت .

                                                                                                                [ ص: 41 ] فرع : في الكتاب يمتنع دفع مائتين على أن يعمل في كل مائة وحدها وربح مائة لأحدكما وربح الأخرى بينكما ، أو ربح مائة بعينها لك وربح الأخرى له للغرر ، وهو أجير فيهما وكذلك على أن المائة على النصف ومائة على الثلث ويعمل بكل مائة وحدها ; لأنه قد يذهب عمله في إحداهما مجانا وكذلك مساقاة الحائطين حتى يكون على جزء واحد ، ولأنه قد يباع في إحداهما لأجل الأخرى فيكون من أكل المال بالباطل . قال ابن يونس : يريد في المائتين وربح مائة لأحدهما أو ربح مائة بعينها لك أنه يجوز على الخلط لرجوعه إلى جزء مسمى ، وكذلك المائتان على الجزءين المختلفين ، قال محمد : يجوز ، قال اللخمي : إن شرطت ربح أحدهما للعامل فله أجرة المثل ما لم تجاوز الربح ، وإن كانت عليه خسارتهما كان سلفا فاسدا ، والربح والخسارة له وعليه ، وفيما يجب في التي يشترط ربحها ثلاثة أقوال : قراض المثل ، أجرة المثل ، الأقل من المسمى ، وقراض المثل إن شرط ربح المنفردة لك ، والأكثر إن شرط ربحها له ، وإن كانت إحداهما قراضا والأخرى سلفا قيل : يكون في مائة القراض أجيرا ، وقيل : قراض المثل ، وقيل : الأكثر ، وعلى قول سحنون : الأكثر ما لم يقبض السلف ويتم الريا بينهما ، وعلى قول ابن نافع المسمى إن أسقط السلف لذهاب المفسدة ، وإلا فالأجرة وربح السلف للعامل ، إلا أن يشترط عليه ألا يبين به بل يعمل به في جملة القراض ، ويختلف هل يضمن والربح له ، أو لك والضمان منك لتحجيرك عليه ، ولو دفعت مائتين على جزئين متفقين على عدم الخلط امتنع للتحجير ، وأن لا يجبر إحداهما بربح الأخرى ، وإن أخذ مائة على النصف فلم يشغلها حتى أخذ مائة على النصف أو الثلث جاز وله الخلط ، إلا أن يشترط عدمه فيرد الجواب [ ص: 42 ] المتقدم ، فإن أشغل الأولى جاز في الموافق ، وفي الكتاب جواز المخالف ، ومنعه في كتاب محمد ، ويمتنع أخذ الثانية بشرط الخلط بالأولى في الموافق والمخالف ; لأن الأولى قد تكون فيها خسارة فيجبرها بالثانية ويكون للثانية بعض ربح الأولى ، ومحمل الثانية على الحل حتى يشترط الخلط ، وإن نضت الأولى وفيها ربح أو خسارة ، امتنع أخذ الثانية بموافق أو مخالف على الخلط والانفراد عند ابن القاسم سدا للذريعة ، وأجازه غيره بثلاثة شروط : أن يكون في الأولى ربح والجزء موافق ، وعلى عدم الخلط ، ووافق ابن القاسم إذا كان في الأولى خسارة ; لأن مع الخسارة يكره العامل على التمادي فتعطيه ليرضى ويجبر الخسارة ، ولو علم من العامل رده الأولى ليستعجل نصيبه من الربح ، منع مع الربح أيضا ، وينبغي إذا علمت رغبته في التمادي أن تجوز الثانية بجزء مخالف ، وإذا عمل على الوجه الفاسد بشرط الخلط ، قسط الربح على قدر المائتين يوم الخلط ، فما ناب الأولى جبر به خسارته وما ناب الثانية فله قراض المثل - ما لم يجاوز المسمى ; لأنه رضي به على أن يجبر خسارة الأولى من جميع الربح ، فإذا سقط ذلك عنه لم يزد على المسمى ، وكذلك إذا كانت الأولى في عروض وخلطه بالثاني فض الآن ما نض على قدر ما يقع به الأول في الثاني ، فما ناب الأول يجبر الخسارة ، وفي الربح على المسمى وما ناب الثاني على الأقل من المسمى أو قراض المثل - إن كان في الأول ذلك اليوم خسارة ، فإن جهل ما بيع به الأول ، فالفض على قيمته يوم خلط الثاني للضرورة .

                                                                                                                [ ص: 43 ] فرع : في الكتاب إذا شرطا ثلث الربح للمساكين لا أحب الرجوع فيه من غير قضاء ; لأن القربات لا يقضى بها ، قال اللخمي : إذا شرطا ثلث الربح للمساكين - والثلثان بينهما - ثم رجعا فيه فهو بينهما نصفان ، فإن رجع أحدهما فله النصف وللآخر الثلث وللمساكين السدس .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية