الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 584 ] 324 - الحديث الأول : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما " أن فلان بن فلان قال : { يا رسول الله ، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة ، كيف يصنع ؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم ، وإن سكت سكت على مثل ذلك . قال : فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه . فلما كان بعد ذلك أتاه فقال : إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به . فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور { والذين يرمون أزواجهم } فتلاهن عليه ووعظه وذكره . وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة . فقال : لا ، والذي بعثك بالحق ، ما كذبت عليها . ثم دعاها ، فوعظها ، وأخبرها : أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة . فقالت : لا ، والذي بعثك بالحق ، إنه لكاذب . فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله : إنه لمن الصادقين . والخامسة : أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . ثم ثنى بالمرأة . فشهدت أربع شهادات بالله : إنه لمن الكاذبين ، والخامسة : أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين . ثم فرق بينهما . ثم قال : إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ؟ - ثلاثا } .

                                        وفي لفظ { لا سبيل لك عليها قال : يا رسول الله ، مالي ؟ قال : [ ص: 585 ] لا مال لك . إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت فهو أبعد لك منها } .

                                        التالي السابق


                                        " اللعان " لفظة مشتقة من " اللعن " سميت بذلك لما في اللفظ من ذكر اللعنة . وقوله " أرأيت لو أن أحدنا " يحتمل أن يكون سؤالا عن أمر لم يقع ، فيؤخذ منه : جواز مثل ذلك ، والاستعداد للوقائع بعلم أحكامها قبل أن تقع وعليه استمر عمل الفقهاء فيما فرعوه ، وقرروه من النازل قبل وقوعها . وقد كان من السلف من يكره الحديث في الشيء قبل أن يقع ، ويراه من ناحية التكلف .

                                        وقول الراوي " فلما كان بعد ذلك : أتاه ، فقال : إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به " يحتمل وجهين :

                                        أحدهما : أن يكون السؤال عما لم يقع ، ثم وقع .

                                        والثاني : أن يكون السؤال أولا عما وقع ، وتأخر الأمر في جوابه ، فبين ضرورته إلى معرفة الحكم .

                                        والحديث يدل على أن سؤاله سبب نزول الآية وتلاوة النبي صلى الله عليه وسلم لها عليه : لتعريف الحكم والعمل بمقتضاها وموعظة النبي صلى الله عليه وسلم : قد ذكر الفقهاء استحبابها ، عندما تريد المرأة أن تلفظ بالغضب .

                                        وظاهر هذه الرواية : أنه لا يختص بالمرأة فإنه ذكره فيها وفي الرجل فلعل هذه موعظة عامة ولا شك أن الرجل متعرض للعذاب وهو حد القذف ، كما أن المرأة متعرضة للعذاب ، الذي هو الرجم ، إلا أن عذابها أشد .

                                        وظاهر لفظ الحديث والكتاب العزيز : يقتضي تعيين لفظ " الشهادة " وذلك يقتضي أن لا تبدل بغيرها . [ ص: 586 ] والحديث يقتضي أيضا : البداءة بالرجل . وكذلك لفظ الكتاب العزيز لقوله تعالى { ويدرأ عنها العذاب } فإن " الدرء " يقتضي وجوب سبب العذاب عليها ، وذلك بلعان الزوج واختصت المرأة بلفظ " الغضب " لعظم الذنب بالنسبة إليها على تقدير وقوعه ، لما فيه من تلويث الفراش ، والتعرض لإلحاق من ليس من الزوج به وذلك أمر عظيم ، يترتب عليه مفاسد كثيرة ، كانتشار المحرمية ، وثبوت الولاية على الإناث ، واستحقاق الأموال بالتوارث . فلا جرم خصت بلفظة " الغضب " التي هي أشد من " اللعنة " ولذلك قالوا : لو أبدلت المرأة الغضب باللعنة : لم يكتف به . أما لو أبدل الرجل اللعنة بالغضب : فقد اختلفوا فيه . والأولى اتباع النص .

                                        وفي الحديث : دليل على إجراء الأحكام على الظاهر ، وعرض التوبة على المذنبين وقد يؤخذ منه : أن الزوج لو رجع وأكذب نفسه : كان توبة ، ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى التوبة فيما بينهما وبين الله .

                                        وقوله عليه السلام " لا سبيل لك عليها " يمكن أن يؤخذ منه : وقوع التفريق بينهما باللعان لعموم قوله " لا سبيل لك عليها " ويحتمل أن يكون " لا سبيل لك عليها " راجعا إلى المال .

                                        وقوله " إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللت من فرجها " دليل على استقرار المهر بالدخول ، وعلى استقرار مهر الملاعنة . أما هذا : فبالنص . وأما الأول : فبتعليله صلى الله عليه وسلم وقوله " بما استحللت من فرجها " فيه دليل على أنه لا يستقر ولو أكذبت نفسها ، لوجود العلة المذكورة ، والله أعلم .




                                        الخدمات العلمية