الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( تفريع ) أذكر فيه المعطوفات من الشروط فإن قال : إن أكلت وإن لبست فأنت طالق فلا ترتيب بين هذين الشرطين باتفاق الفرق بل أيهما وقع قبل صاحبه اعتبر ولا بد من وقوع الآخر بعده فإنهما معا جعلا شرطين في الطلاق ولم يجعل أحدهما شرطا في الآخر .

والجواب لهما معا بخلاف القسم الأول الجواب للأول فقط [ ص: 84 ] فإن قال : إن أكلت فلبست فأنت طالق تعين أن يكون المتأخر متأخرا والمتقدم متقدما عكس المنسوق بغير حرف العطف وهو كقوله تعالى { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } فالزنى منهن متأخر كما هو في اللفظ وكذلك إن أكلت ثم لبست وإن أكلت حتى إن لبست يقتضي اللفظ تأخير اللبس مع تكرر الأكل قبله لأن القاعدة أن المغيا لا بد أن يثبت قبل الغاية ويتكرر إليها وإن أكلت بل إن لبست فأنت طالق لا يلزمه الطلاق إلا باللبس وقد ألغي الأكل بالإضراب عنه ببل والشرط الثاني وحده وإن لم تأكلي لكن إن لبست فأنت طالق فالشرط الثاني وحده وقد ألغي الأول بلكن لأنها للاستدراك وإن أكلت لا إن لبست فأنت طالق فالشرط الأول وحده ولا تطلق إلا به لأن لا لإبطال الثاني وإن أكلت أو لبست فأنت طالق فالشرط أحدهما لا بعينه فأيهما وقع لزم به الطلاق وكذلك أنت طالق أما إن أكلت وأما إن شربت أي تعليق طلاقه متنوع بهذين النوعين فيلزم الطلاق بأحدهما ولم يبق من حروف العطف إلا أم وهي متعذرة في هذا الباب لأنها للاستفهام والمستفهم غير جازم بشيء والمعلق لا بد أن يكون جازما فالجمع بينهما محال وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق في المهذب هذه الفروع بالواو والفاء وثم وصرح في الواو بأنها تطلق بكل واحد منهما طلقة قال : لأن حروف الشرط قد تكرر فوجب لكل واحد منهما جزاء فتطلق بكل واحد منهما طلقة وما قاله غير لازم بل يكون حرف العطف يقتضي مشاركة الثاني للأول في أنه شرط في هذا الجزاء والتشريك بالعاطف إنما يقتضي أصل المعنى دون متعلقاته وظروفه وأحواله فإذا قلت : مررت بزيد قائما وعمرو لم يلزم أنك مررت بعمرو قائما أيضا كذلك نص عليه النحاة وكذلك مررت بزيد يوم الجمعة أو أمامك وعمرو .

[ ص: 85 ] لا يلزم التشريك إلا في أصل المرور فقط وكذلك اشتريت هذا الثوب بدرهم والفرس لا يلزم الاشتراك في الدرهم لأنه متعلق بل في أصل الفعل خاصة ومقتضى هذه القاعدة أن التشريك إنما يلزم في هذه المسألة في أصل الشرطية دون ما بعده من الجزاء فالتزام التشريك في الجميع التزام ما لم يلزم وبقي في الفاء وثم مراعاة التعقيب في الفاء والتراخي في ثم لم أرهم تعرضوا له وقالوا : إن لم يقع الثاني عقيب الأول في صورة الفاء لم يقع طلاق ولا إن لم يتراخ الثاني عن الأول في صورة ثم لم يقع طلاق وذلك هو مقتضى اللغة غير أنهم قد يكونون لم يعتبروا ذلك لأن العادة ألغته وأمر الأيمان مبني على العوائد .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال : ( تفريع أذكر فيه المعطوفات من الشروط إلى قوله بخلاف القسم الأول الجواب للأول فقط ) قلت : قوله فلا ترتيب بين هذين الشرطين باتفاق الفرق بل أيهما وقع قبل صاحبه اعتبر صحيحا وكان حقه أن يقول أو مع صاحبه وقوله [ ص: 84 ] ولا بد من وقوع الآخر بعده ليس بلازم فإنه إذا انفرد كل واحد منهما استقل بالشرطية وإنما يلزم ما قاله لو قال : إن أكلت ولبست فإن مقتضى ذلك جعل الشرط مجموع الفعلين وإذا كان ذلك فلا بد من وقوع الآخر بعده أما إذا تكرر حرف الشرط فإنه يدل على استقلال كل واحد بالشرطية فلا يلزم وقوع الآخر بعده وقوله بخلاف القسم الأول يعني إن أكلت إن لبست دون حرف عطف والله أعلم .

قال : ( فإن قلت : إن أكلت فلبست فأنت طالق إلى قوله والمستفهم غير جازم بشيء والمعلق لا بد أن يكون جازما فالجمع بينهما محال ) قلت : ما قاله في ذلك صحيح غير قوله عكس المنسوق بغير حرف عطف يلزم أن يكون المتأخر في اللفظ متقدما في الوجود فإنه مبني على قاعدة أن الشروط اللغوية أسباب والأسباب يلزم تقدمها على مسبباتها وذلك كله أمر عرفي اصطلاحي والربط بين الشروط اللغوية ومشروطاتها وضعي كما سبق التنبيه عليه فصفة الربط من تقدم أو تأخر أو معية كذلك وضعي والأمور الوضعية يجوز تبدلها وتبدل أوصافها بحسب قصد الواضع لها فإن أراد أن المنسوق بغير حرف عطف يلزم ذلك فيه عرفا فهو صحيح .

وإن أراد غير ذلك فليس بصحيح والله أعلم قال : ( وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق في المهذب هذه الفروع بالواو والفاء وثم وصرح في الواو بأنها تطلق بكل واحد من الشرطين طلقة إلى آخر قوله [ ص: 85 ] وأمر الأيمان مبني على العوائد ) قلت : ما قاله صحيح وهو الظاهر من قول القائل إن أكلت أو لبست فأنت طالق بخلاف ما إذا قال : إن أكلت فأنت طالق أو لبست فأنت طالق الظاهر هنا تعدد الطلاق وفي كلا المثالين إن انفرد الأكل أو اللبس لزم الطلاق وإذا قال : إن أكلت ولبست فأنت طالق فلا يلزم الطلاق إلا بمجموع الأمرين ويمكن أن يقال : إذا قال : إن أكلت وإن لبست فأنت طالق يحتمل قصد تعدد الجواب واختصره لفظا فيكون بمنزلة من طلق وشك في العدد فيحمل على الثلاث احتياطا والله أعلم .




الخدمات العلمية