الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وجاز لمنفرد بالمغرب ، يجدهم بالعشاء . ولمعتكف بمسجد : كأن انقطع المطر بعد الشروع ، [ ص: 423 ] لا إن فرغوا فيؤخر للشفق ، إلا بالمساجد الثلاثة ولا إن حدث السبب بعد الأولى ، ولا المرأة والضعيف ببيتهما ولا مفرد بمسجد : كجماعة لا حرج عليه .

التالي السابق


( وجاز ) الجمع بين المغرب والعشاء للمطر ونحوه ( ل ) شخص ( منفرد بالمغرب ) عن جماعة الجمع ولو صلاها مع جماعة صلاها آخرين حال كونه ( يجدهم ) أي المنفرد جماعة الجمع متلبسين ( ب ) صلاة ( العشاء ) فيدخل معهم لإدراك فضل الجماعة ولو ركعة وعبر بالجواز ، وإن ندب لإدراك فضل الجماعة لأجل المخرجات الآتية ، ومفهوم منفرد بالمغرب أن من لم يصل المغرب لا يدخل معهم في العشاء لوجوب الترتيب شرطا ، ولا يصلي المغرب في المسجد لامتناع الصلاة به مع صلاة الإمام فيجب عليه الخروج منه واضعا يده على أنفه فيصلي المغرب ويؤخر العشاء إلى مغيب الشفق . وبنى ابن بشير وابن شاس وابن عطاء الله وابن الحاجب هذا الجواز على القول بأن نية الجمع تجزي عند الثانية ، وبنوا على مقابله قوله الآتي ولا إن حدث السبب بعد الأولى .

( و ) جاز الجمع أي ندب ( ل ) شخص ( معتكف ) ومجاور غريب ( بمسجد ) تبعا لهم فإن كان المعتكف أو المجاور إماما راتبا وجب عليه أن يتأخر عن الإمامة ويندب له أن ينيب من يؤمهم إذا كان فيهم صالح للإمامة غيره ، وإلا صلى بهم قاله عبد الحق .

وشبه في جواز الجمع فقال ( كأن ) بفتح الهمز وسكون النون حرف مصدري دخلت عليه كاف التشبيه صلته ( انقطع المطر بعد الشروع ) في المغرب بنية الجمع ، ولو قبل عقد ركعة منها فيجوز الجمع لاحتمال عوده ولا إعادة عليهم إن لم يعد ومفهوم بعد الشروع أنه إن انقطع قبله فلا يجوز الجمع للمطر ، وإن وجد طين كثير مع ظلمة جاز ، وإلا فلا . [ ص: 423 ]

( لا ) يجوز الجمع لمنفرد بالمغرب ( إن ) وجدهم قد ( فرغوا ) أي جماعة الجمع من صلاة العشاء ولو حكما بأن وجدهم في التشهد الأخير ، فإن ظنه الأول فدخل معهم فإذا هو الأخير وجب الشفع إذ من شرط الجمع الجماعة وحينئذ ف ( يؤخر ) العشاء وجوبا ( ل ) مغيب ا ( لشفق إلا ب ) أحد ( المساجد الثلاثة ) مسجد رسول الله عليه أفضل الصلاة ، وأزكى السلام ، ومسجد بيت الله الحرام والمسجد الأقصى بالشام ، فإن المنفرد بالمغرب الذي وجدهم فرغوا يصلي فيه العشاء قبل مغيب الشفق بنية الجمع ، فإن لم يصل المغرب بغيرها فله الجمع بها منفرد العظم فضل فذها على جماعة غيرها .

( ولا ) يجوز الجمع ( إن حدث السبب ) من مطر أو سفر ( بعد ) الشروع في ( الأولى ) بناء على وجوب نية الجمع عند الأولى ، وهو الراجح ، لكن إن جمعوا فلا يعيدون العشاء مراعاة للقول بأن نية الجمع عند الثانية على أنها واجب غير شرط كما مر ( ولا ) تجمع ( المرأة ) لا الرجل ( الضعيف ببيتهما ) المجاور للمسجد إذ لا ضرر عليهما في عدم الجمع ، فإن جمعا تبعا للجماعة التي في المسجد فلا شيء عليهم مراعاة للقول بجواز جمعهما تبعا لهم ، ومفهوم ببيتهما جواز جمعهما بالمسجد تبعا للجماعة ، وهو كذلك .

( ولا ) يجمع ( منفرد بمسجد ) وينصرف لبيته ويصلي فيه العشاء بعد مغيب الشفق إلا أن يكون راتبا له منزل ينصرف إليه فيجمع وحده ناويا الإمامة والجمع وينصرف لمنزله . وأما إن كان مقيما في المسجد فلا يجمع وحده وشبه في عدم الجمع فقال ( كجماعة لا حرج ) أي لا مشقة ( عليهم ) في فعل كل صلاة في مختارها كأهل الزوايا والربط والمنقطعين بمدرسة أو تربة فلا يجمعون إلا تبعا لمن يأتي للصلاة معهم من إمام أو غيره ، ومحل هذا إذا لم يكن لهم منازل ينصرفون إليها ، وإلا ندب لهم الجمع استقلالا قاله كريم الدين البرموني . [ ص: 424 ]

وأفتى المسناوي بأن أهل المدارس المجاورة للمسجد يندب لهم الجمع في المسجد استقلالا . وإن الساكن بها يجوز له الجمع به إماما ; لأنهم ليسوا مقيمين في المسجد كالمعتكف ، بل هم جيرانه . وقال ابن عرفة يجمع جار المسجد ولم يقيده بتبعيته لغيره ، ولا يعارضه قوله كجماعة لا حرج عليهم ; لأنه في المقيمين في المسجد ، ودليله ما في الصحيح { أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع إماما وحجرته ملتصقة بالمسجد ولها خوخة } . إليه البناني ، وفيما قاله نظر إذ قد نص ابن يونس على أن قريب الدار من المسجد إنما يجمع تبعا للبعيد ، ونصه ، وإنما أبيح الجمع لقريب الدار والمعتكف لإدراك فضل الجماعة . ا هـ .

قلت ليس في نص ابن يونس ما ادعاه من أن قريب الدار لا يجمع إلا تبعا ، وإنما علل بإدراك فضل الجماعة ، وهي العلة في جمع البعيد أيضا ، وأيضا على فرض أن فيه ذلك فلا يقوى على معارضة فعله صلى الله عليه وسلم فضلا على تقديمه عليه ، فالحق ما قاله المسناوي والله أعلم .




الخدمات العلمية