الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ) أي وإذا أذن مؤذنكم بالدعوة إلى الصلاة ، جعلها أولئك الذين نهيتم عن ولايتهم من أهل الكتاب والمشركين من الأمور التي يهزءون ويلعبون بها ، ويسخرون من أهلها ( ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ) حقيقة الدين وما يجب لله تعالى من الثناء والتعظيم . ولو كانوا يعقلون ذلك لخشعت قلوبهم كلما سمعوا مؤذنكم يكبر الله تعالى ويوحده بصوته الندي ، ويدعو إلى الصلاة له والفلاح بمناجاته وذكره . والآية تدل على شرع الأذان ، فهو ثابت بالكتاب والسنة معا ، خلافا لما يوهمه حديث الأذان .

                          [ ص: 369 ] روينا وسمعنا من بعض النصارى المعتدلين في بلادنا كلمات الثناء والاستحسان لشعيرة الأذان من شعائر الإسلام ، وتفضيلها على الأجراس والنواقيس المستعملة عندهم ، وقد كان جماعة من بيوتات نصارى طرابلس مصطافين في بلدنا ( القلمون ) فكان النساء يجتمعن مع الرجال في النوافذ عند أذان المؤذن ، ولا سيما أذان الصبح ; ليسمعوا أذانه ، وكان المؤذن ندي الصوت ، حسنه . واتفق أن غاب المؤذن يوما ، فأذن رجل قبيح الصوت ، فلقي والدي رب بيت من تلك البيوتات ، فقال له : إن مؤذنكم اليوم يستحق المكافأة علي ؟ قال الوالد : بماذا ؟ قال بأنه أرجع أهل بيتنا إلى دينهم ، بعد أن صاروا مسلمين بأذان المؤذن الأول . وأنا أتذكر أن بعض صبيانهم حفظ الأذان ، وصار يقلده تقليد استحسان ، فتغضب والدته منه ، وتنهاه عن الأذان ، وأما والده فكان يضحك ، ويسر لأذان ولده ; لأنه كان على حرية وسعة صدر ، ولا يدين بالنصرانية . فالأذان ذكر مؤثر ، لا تخفى محاسنه على من يعقل الدين ، ويؤمن بالله العلي الكبير ، ولا على غيرهم من العقلاء ، وقد روي في التفسير المأثور عن السدي أنه قال في تفسير الآية : كان رجل من النصارى في المدينة إذا سمع المنادي ينادي " أشهد أن محمدا رسول الله " قال : أحرق الكاذب ( دعاء عليه بالحريق ) فدخلت خادمته ذات ليلة من الليالي بنار وهو نائم ، وأهله نيام ، فسقطت شرارة فأحرقت البيت ، فاحترق هو وأهله ، ووجود النصارى في المدينة كان نادرا ، وأكثر هذا الاستهزاء كان يكون من اليهود ، كما يعلم من رد الله تعالى عليهم في هذه الآيات التالية :

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية