الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                قاعدة : ( قال ) عليه السلام : لو أعطي الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر . فليس كل طالب مدعيا ولا كل مطلوب مدعى عليه ، بل من كان قوله على خلاف أصل أو ظاهر فهو المدعي الذي عليه البينة كان الظاهر عادة أو قرينة حالية أو مقالية ، وكل من كان قوله على موافقة أصل أو ظاهر ، فهو المدعى عليه ويصدق مع يمينه كالطالب من غيره دينا فهو مدع ; لأن الأصل براءة الذمة ; لأن الإنسان ولد بريئا من حق ، وكمدعي الوديعة بغير بينة وقد قبضها ببينة ، فإن الظاهر : أنه لا يرد إلا ببينة ، فهو مطلوب وعليه البينة ، وكذلك الوصي يدعي إنفاق مال اليتيم في مدة لا ينفق فيها مثله ، وهو مطلوب وعليه البينة والطالب منه مدعى عليه ، ونظائره [ ص: 118 ] كثيرة فعلى هذه القاعدة تتخرج فروع الدعاوي في المساقاة وغيرها ، وبعبارة أخرى المدعى عليه هو أرجحهما سببا ، والمدعي هو المرجوح السبب .

                                                                                                                فرع : في الكتاب إذا وكلته في دفع نخل مساقاة ، فقال : دفعتها لزيد وصدقه وكذبته أنت صدق ; لأنه أمين كالوكيل على البيع بخلاف الرسول لدفع المال يكذبه المبعوث إليه يغرم .

                                                                                                                فرع : قال اللخمي : له إعراء نصيبه من المساقاة أو جزء منه نصفه أو أكثر أو أقل من نخله أو نخل معينة ، فإذا أعرى جميع نخله أو نخلة جاز نصيبه منها كالشريك ، وليس للمعرى جميع نصيب العامل من المساقاة في هذه النخلة ; لأنه خلاف عقد المساقاة ، وكذلك لو أعريت أنت .

                                                                                                                فرع : قال تجوز مساقاة البعل من الشجر الذي على غير الماء لحاجته للعمل ، وكذلك الزرع إن استغنى عن السقي واحتاج للمئونة ، وإن لم يبق إلا حفظه وحصاده وتصفيته امتنع ; لأن هذه مئونة بعد مدة المساقاة ، وهي إجارة فاسدة ، وليس زرع البعل كشجر البعل ، وإنما يجوز في زرع البعل عند الضرورة والخوف عليه . قال ابن يونس : ليس تمتنع مساقاة الزرع إلا أن يعجز عنه - وإن كان له ما يسقي ; لأنه قد يعجز عن الدواب والإجراء وتمتنع قبل استقلاله من الأرض لفرط الجهالة ، وتمتنع بعد جواز بيعه لعدم الضرورة ، فإن ساقاه قبل استقلاله من الأرض قال ابن حبيب : له أجرة مثله ، وإن طلع ولم يعجز عنه [ ص: 119 ] امتنع أيضا لعدم الضرورة ، والسنة إنما وردت في زرع تبع للنخل والشجر بخيبر ، قال ابن نافع : وتجوز في البطيخ والجزر والأصول المغيبة عجز عنها أم لا ، وفي الكتاب تجوز في الورد والياسمين والقطن . قال محمد : وإن لم يعجز عنه لعدم ثبوت أصله كالزرع ، وجوزها ابن القاسم في البصل وقصب السكر إذا عجز عنه ; لأنه ثمرة واحدة ، ويشترط في ذلك كله أن يصل إلى حد جواز البيع ، ومنع مالك مساقاة القصب ; لأنه يسقى بعد جواز بيعه ، وكذلك القرط والبقل الذي يجز ويخلف والموز وإن عجز عنه ; لأن ذلك كله يجنى بطنا بعد بطن وليس بشجر في أصله .

                                                                                                                تمهيد : قال : وأصل قولهم إن كل ما يجز أصله ويخلف يمتنع ، وكل ما تجز ثمرته ولا يخلف يجوز كان أصله ثابتا أم لا ، أو تقول : كل أصل ثابت تجنى ثمرته يجوز ما لم يجن بيع ثمرته ، وكل أصل غير ثابت ويجز مع ثمرته كالزرع والبصل واللفت والجزر والمقاثئ يمتنع إلا أن يعجز عنه ويظهر من الأرض ، وكل ما يجز أصله ويخلف كالبقل والكراث والقصب والموز يمتنع مطلقا ، واختلف في الريحان والقصب الحلو بالمنع ; لأنه يجز ويخلف كالبقل ، والجواز للحاجة للمساقاة في الجزة الأولى دون الخلفة ، لأنها كما لم يظهر من الأرض ، وقيل : القياس جواز الخلفة معه ; لأنها تبع فتجوز كبيعها مع الأصل تبعا ، وجوزها أحمد في كل شجر مثمر ، وخصصه ( ش ) بالنخل والكرم الصغيرين لوجوب الزكاة في ثمرها ، قال : وما لا زكاة فيه كما لا ثمر له ، واتفق الإمامان على المنع في الصفصاف والجوز وكل ما لا ثمر له ، أو له ثمر غير مقصود - كالصنوبر والأرز ; لأنه ليس منصوصا ولا في معنى المنصوص ، ولأنها إنما تكون بجزء الثمر ولا ثمر فلا تجوز . لنا جملة صور الخلاف عموم قوله شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ، ونظرا لوجود الحاجة في جملة تلك الصور فيجوز قياسا على مورد النص .

                                                                                                                [ ص: 120 ] فرع : قال ابن يونس : إن ساقى نخلا فيها موز الثلث فأقل جاز تبعا إن دخل في المساقاة ، وإن اشترطها أحدكما فالعامل امتنع لعدم التبعية ، قال اللخمي في الزرع والقطاني ونحوها أربعة أقوال : الجواز في المدونة بثلاث شروط : الظهور من الأرض ، والعجز عنه ، وعدم بدو الصلاح ، وعنه الكراهة والجواز لابن نافع من غير شرط قياسا على الشجر ، وقال ابن عبدوس : القياس المنع مطلقا نفيا للغرر ، قال : وأرى الجواز إذا عجز عنه قبل البروز من الأرض بل أولى ; لأن البارز ينتفع به ، ولمالك المنع في المرسين ; لأنه وإن كان شجرا فالمأخوذ ورقه فهو بمنزلة ما يجز ، وعنه الجواز قياسا على غيره من الشجر ، وعلى الجواز له اشتراط الخلفة على القول بجواز بيعها مع الأصل وأما مساقاة قصب السكر ونحوه مما يجز ويخلف إن كان أول بطن ولم يبد صلاحه ، جرى على الخلاف المتقدم في الزرع ، فإن بدا صلاحه امتنع ، وهو الذي تكلم عليه في المدونة . وعلى قوله في كتاب محمد يجوز في الرأس وحدها ، وتكون إجارة باع نصفها بعمله ، ويمتنع ضم ما لم يبد صلاحه مع ما بدا ، وقياسا على قوله إنها إجارة جواز ذلك .

                                                                                                                فرع : في الكتاب : تجوز مساقاة الشجرة والنخلة الواحدة كالقراض بالمال القليل .

                                                                                                                فرع : قال : إذا فلست لم تفسخ المساقاة عمل أم لا ، ويبيعه الغرماء على أن هذا مساقيه ، لتعلق حق العامل قبل الغرماء ، قال ابن يونس : منع غيره بيع الغرماء له وتوقف حتى يرضى العامل بتركه ; لأنه بيع له واستثناء ثمرة للعامل ، وقال سحنون : إنما يجوز بيعه إذا كانت المساقاة سنة بجواز بيع الربع والحوائط ، على أن [ ص: 121 ] يقبضها بعد سنة والأجير بدراهم على السقي أحق بالثمرة في الفلس ; لأنه كالبائع لما تولد عن منافعه ، والأرض قائمة له فهو أحق بما لسلعته في البيع ، وهو في الموت أسوة الغرماء .

                                                                                                                فرع : قال ابن يونس : تمتنع مساقاة بيع أو إجارة في عقد ، لتنافي أحكامهما في اختصاص الغرماء وعدم اختصاصهم وغير ذلك ، وإذا كان في الحائط بياض تبع ؛ امتنع كراؤه ومساقاة الحائط ، وإذا كان في الأرض المكتراة سواد تبع ، امتنعت مساقاته وكراء الأرض وحدها .

                                                                                                                فرع : قال اللخمي : مساقاة أنواع الثمار المختلفة في عقد ثلاثة أقسام : تجوز إن كانت حائطا واحدا مختلفة ; لأنها في حكم النوع الواحد ، وكذلك في حوائط إذا كانت مساقاة كل واحد إذا انفرد مثل مساقاة الآخر ، وإن كانت تختلف وساقى على كل واحد ، جاز عند مالك دون ابن القاسم ، فإن كانت في حائط واحد غير مختلفة يسيرة ، ولا يساقي النصف الواحد لقلته فهو كالمختلط ، أو كثيرة فكالحوائط .

                                                                                                                فرع : قال : تجوز مساقاة ذوات الأصول كالنخل مع غير ذي أصل كالقطاني إذا كان كل صنف ناحية عن الآخر وكانت المساقاة على ما يجوز ، أو كانا نقدين فيجوز في ذي أصل ، وإن لم يثمر ولم يعجز عنه وفي غير ذي الأصل إذا برزا وعجز عنه بالشروط المتقدمة والخلاف المتقدم ، وعن ابن القاسم الجواز في المختلطين إذا كانا متساويين في المساقاة لو أفردا على جزء واحد وكل واحد مقصود في نفسه متناصفا أو قريبا من النصف أو الزرع الأكثر أو النخل الأقل جاز كالمنفرد ، وإن كان الزرع الثلث فأقل جازت المساقاة فيه وإن لم يظهر من الأرض ولم يكن يعجز عنه لم [ ص: 122 ] يكن داخلا في المساقاة وعلى مثل النخل على قول مالك : لا يجوز إلغاؤه لأحدهما ولا أن يكون جزؤه مخالفا للنخل ، وعن مالك القليل كالثمرة في الدار المكتراة وجعله للعامل خاصة ، ويمتنع أن يكون بينهما مطلقا ، فإن كان النخل في الأكثر فالزرع للعامل أو الزرع الأكثر والنخل الثلث فأدنى فثمرته للعامل وهذا خلاف المشهور عنه .

                                                                                                                فرع : قال : قال مالك : عليه بعد الجداد وبقاء نخلات يسيرة سقي الحائط ; لأنه بقية المدة والأصول ، وإذا كانت متأخرة الطيب فكذلك ، وكذلك الأنواع المختلفة إذا بقي بعضها ، وقال عبد الملك : إذا كان المتأخر نخلات متأخرة الطيب فسقي الحائط عليك وقد برئ من الحائط بحصول الطيب الغالب ، ويوفى نصيبه من المتأخر الطيب ، فإن المتأخر الطيب الأكثر سقاه كله تغليبا للأكثر أو متناصفا ؛ سقى المتأخر وحده ، وسقيت الباقي والثمار المختلفة لمتأخر الطيب مع متقدمه ، وقال مطرف : إذا جنى صنفا انقضى حكمه قل أو كثر .

                                                                                                                فرع : في المنتقى إذا غارت عين المساقاة قبل العمل فلا شيء عليك فيما أنفق العامل إلا ما للمتعدي من النقص فله حصته من الثمرة ، وقال عبد الملك : يتأخر قدر مالك من الثمرة بعد طرح المئونة إلى وقت البيع وتكلف تعجيل ذلك وإنفاقه ، فإن عدمت قيل : للعامل أنفق ذلك القدر وتكون حصته من الثمرة رهنا بيدك ، وإلا سلم الحائط ولا شيء عليه .

                                                                                                                [ ص: 123 ] فرع : قال : قال مالك : إذا كانت النفقة كلها عليك والمئونة وهو يعمل بيده بجزء الثمرة امتنع ; لأنه في التحقيق اشتراط جزء العمل عليك فيمتنع كالقراض .

                                                                                                                فرع : قال : قال مالك : إذا ساقيته بعد شهر ، فإن اتبعته بما يبقى امتنع ; لأنه اشتراط الزيادة عليه ، وإن ألغيته صح .

                                                                                                                فرع : قال : قال مالك : إذا ساقيته على أن الثمرة كلها له جاز كربح القراض ، إلا أن تساقيه قبل ذلك بأشهر ; لأنه بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ، قال : فإن ألغي جاز عندي .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية