الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عدة حوادث

قيل : وفي هذه السنة وجه الوليد بن يزيد خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي واليا على المدينة ومكة والطائف ، ودفع إليه محمدا وإبراهيم ابني هشام بن إسماعيل المخزومي موثقين في عباءتين ، فقدم بهما المدينة في شعبان فأقامهما للناس ، ثم حملا إلى الشام فأحضروا عند الوليد ، فأمر بجلدهم ، فقال محمد : أسألك بالقرابة ! قال : وأي قرابة بيننا ؟ قال : فقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضرب بسوط إلا في حد . قال : ففي حد أضربك وقود ، أنت أول من فعل بالعرجي ، وهو ابن عمي وابن أمير المؤمنين عثمان ، وكان محمد قد أخذه وقيده ، وأقامه للناس وجلده وسجنه إلى أن مات بعد تسع سنين لهجاء العرجي إياه ، ثم أمر به الوليد فجلد هو وأخوه إبراهيم ، ثم أوثقهما حديدا وأمر أن يبعث بهما إلى يوسف بن عمر وهو على العراق ، فلما قدم بهما عذبهما حتى ماتا .

وفي هذه السنة عزل الوليد سعد بن إبراهيم عن قضاء المدينة وولاه يحيى بن [ ص: 293 ] سعيد الأنصاري . وفيها خرجت الروم إلى زبطرة ، وهو حصن قديم كان افتتحه حبيب بن مسلمة الفهري ، فأخربته الروم الآن ، فبنى بناء غير محكم ، فعاد الروم وأخربوه أيام مروان بن محمد الحمار ، ثم بناه الرشيد وشحنه بالرجال ، فلما كانت خلافة المأمون طرقه الروم فشعثوه ، فأمر المأمون بمرمته وتحصينه ، ثم قصده الروم أيام المعتصم ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى . فإنما سقت خبره هاهنا لأني لم أعلم تواريخ حوادثه .

وفيها أغزى الوليد أخاه الغمر بن يزيد ، وأمر على جيوش البحر الأسود بن بلال المحاربي وسيره إلى قبرص ليخير أهلها بين المسير إلى الشام أو إلى الروم ، فاختارت طائفة جوار المسلمين ، فسيرهم إلى الشام ، واختار آخرون الروم ، فسيرهم إليهم .

وفيها قدم سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم ولاهز بن قريظ وقحطبة بن شبيب مكة ، فلقوا ، في قول بعض أهل السير ، محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فأخبروه بقصة أبي مسلم وما رأوا منه ، فقال : أحر هو أم عبد ؟ قالوا : أما عيسى فيزعم أنه عبد ، وأما هو فيزعم أنه حر . قال : فاشتروه وأعتقوه وأعطوا محمد بن علي مائتي ألف درهم وكسوة بثلاثين ألف درهم . فقال لهم : ما أظنكم تلقوني بعد عامي هذا ، فإن حدث بي [ ص: 294 ] حدث فصاحبكم ابني إبراهيم فإني أثق به ، وأوصيكم به خيرا . فرجعوا من عنده .

وقال بعضهم : في هذه السنة توفي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس في شهر ذي القعدة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة ، وكان بين موته وموت أبيه سبع سنين .

وحج بالناس هذه السنة يوسف بن محمد بن يوسف . وفيها غزا النعمان بن يزيد بن عبد الملك الصائفة .

[ الوفيات ]

وفي هذه السنة مات أبو حازم الأعرج ، وقيل سنة أربعين ، وقيل سنة أربع وأربعين ومائة ، وفي آخر أيام هشام بن عبد الملك توفي سماك بن حرب ، وفي هذه السنة توفي القاسم بن أبي بزة ( واسم أبي بزة يسار ، وهو من المشهورين بالقراءة ) وأشعث بن أبي الشعثاء سليم بن أسود المحاربي . وزيد بن أبي أنيسة الجزري ، مولى بني كلاب ، وقيل مولى يزيد بن الخطاب ، [ ص: 295 ] وقيل مولى غني ، وكان عمره ستا وأربعين سنة ، وكان فقيها عابدا ، وكان له أخ اسمه يحيى ، كان ضعيفا في الحديث .

وفي أيام هشام مات العرجي الشاعر في حبس محمد بن هشام المخزومي ، عامل هشام بن عبد الملك على المدينة ومكة ، وكان سبب حبسه أنه هجاه فتتبعه حتى بلغه أنه أخذ مولى له فضربه وقتله ، وأمر عبيده أن يطئوا امرأة المولى المقتول ، فأخذه محمد فضربه وأقامه للناس وحبسه تسع سنين فمات في السجن .

( العرجي : بفتح العين المهملة ، وسكون الراء ، وآخره جيم ) .

وكان عمال الأمصار من تقدم ذكرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية