الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل ) في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما يسن في قود غير النفس التأخير للاندمال ، ولا يجوز العفو قبله على مال لاحتمال السراية واتفقوا في قود غير النفس على ثبوته لكل الورثة واختلفوا في قود النفس هل يثبت لكل وارث أم لا ؟ و ( الصحيح ثبوته لكل وارث ) على حسب الإرث ، ولو مع بعد القرابة كذي رحم إن ورثناه ، أو عدمها كأحد الزوجين والمعتق وعصبته والإمام فيمن لا وارث له مستغرق ومر أن وارث المرتد لولا الردة يستوفي قود طرفه ويأتي في قاطع الطريق أن قتله إذا تحتم تعلق بالإمام دون الورثة فلا يرد ذلك على المتن كما لا يرد عليه ما قيل إنه يفهم ثبوت كله لكل وارث لما سيصرح به أنه يسقط بعفو بعضهم ( وينتظر ) وجوبا ( غائبهم ) إلى أن يحضر ، أو يأذن ( وكمال صبيهم ) ببلوغه ( ومجنونهم ) بإفاقته ؛ لأن القود للتشفي [ ص: 434 ] ولا مدخل لغير المستحق فيه نعم المجنون الفقير بأن لم يكن له مال ، ولا من تلزمه مؤنته لوليه الأب أو الجد

                                                                                                                              وكذا الوصي والقيم على الأوجه العفو على الدية ؛ لأنه ليس لإفاقته أمد ينتظر أي يقينا فلا يرد معتاد الإفاقة في زمن معين ، وإن قرب كما اقتضاه إطلاقهم بخلاف الصبي إذ لبلوغه أمد ينتظر ( ويحبس القاتل ) أي يجب على الحاكم حبس الجاني على نفس أو غيرها إلى حضور المستحق ، أو كماله من غير توقف على طلب ولي ، ولا حضور غائب ضبطا للحق مع عذر مستحقه ويفرق بين هذا وتوقف حبس الحامل على الطلب بأنه سومح فيها رعاية للحمل ما لم يسامح في غيرها ( ولا يخلى بكفيل ) ؛ لأنه قد يهرب فيفوت الحق والكلام في غير قاطع الطريق أما هو إذا تحتم قتله فيقتله الإمام مطلقا ( وليتفقوا ) أي مستحقو القود المكلفون الحاضرون ( على مستوف ) له مسلم في المسلم ، ولا يجوز اجتماعهم على قتله أو نحو قطعه ، ولا تمكينهم من ذلك ؛ لأن فيه تعذيبا له ومن ثم لو كان القود بنحو تغريق جاز اجتماعهم وفي قود نحو طرف يتعين كما يأتي توكيل واحد من غيرهم ؛ لأن بعضهم ربما بالغ في ترديد الحديدة فشدد عليه ( وإلا ) يتفقوا على مستوف وأراد كل استيفاءه بنفسه ( فقرعة ) يجب على الحاكم فعلها بينهم

                                                                                                                              ومن قرع لا يستوفي إلا بإذن من بقي ؛ لأن له منعه بأن يقول لا تستوفي [ ص: 435 ] وأنا لا أستوفي وإنما جاز للقارع في النكاح فعله من غير توقف على إذن ؛ لأن ما هنا مبناه على الدرء ما أمكن وذاك مبناه على التعجيل ما أمكن ومن ثم لو عضلوا ناب القاضي عنهم فإن قلت إذا اعتبر الإذن بعد القرعة فما فائدتهما قلت : فائدتها تعيين المستوفي ومنع قول كل من الباقين أنا أستوفي وقول بعضهم للقارع : لا تستوف أنت بل أنا كما أفهمه قولنا بأن يقول إلخ ( يدخلها العاجز ) عن الاستيفاء كالشيخ الهرم والمرأة ؛ لأنه صاحب حق ( ويستنيب ) إذا قرع ، وإن كانت المرأة قوية جلدة ( وقيل لا يدخل ) ها ؛ لأنها إنما تجري بين المستوين في الأهلية وهذا ما في الروضة وأصلها وعليه الأكثرون ونص عليه فهو المعتمد فلو خرجت لقادر فعجز أعيد بين الباقين .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل ) في مستحق القود ( قوله ومر أن وارث المرتد لولا الردة يستوفي قود طرفه ) الذي جني عليه قبل الردة ( قوله فلا يرد ذلك إلخ ) أي ؛ لأن ما يأتي في قاطع الطريق يخصص ما هنا ( قوله لما سيصرح به أنه يسقط بعفو بعضهم ) إذ لو ثبت كله لكل وارث لم يسقط بعفو بعضهم [ ص: 434 ] قوله لوليه الأب إلخ ) قال في شرح المنهج غير الوصي ا هـ ومثله القيم فيما يظهر م ر ش ( قول المتن وليتفقوا على مستوف ) ظاهر الإطلاق جواز كون المستوفي منهم ، أو من غيرهم ذكرا أجنبيا إذا كان الجاني أنثى ( قوله ومن ثم لو كان القود بنحو تغريق ) ، أو تحريق شرح الروض ( قوله نحو طرف ) قضية التقييد بنحو الطرف أنه لا يتعين غيرهم في النفس والفرق لائح ، وهو صريح وإلا إلخ .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل في مستحق القود ) ( قوله في مستحق القود ) إلى قول المتن فقرعة في النهاية إلا قوله وكذا الوصي والقيم على الأوجه ( قوله وما يتعلق بهما ) أي كعفو الولي عن القصاص الثابت للمجنون وحبس الحامل ع ش ( قوله يسن إلخ ) أي لاحتمال العفو ( قوله للاندمال ) أي اندمال جرح المجني عليه ع ش ( قوله على مال ) أما لو عفي مجانا فلا يمتنع كما يأتي ع ش ( قوله لاحتمال السراية ) فلا يدري هل مستحقه القود ، أو الطرف فيلغو العفو لعدم العلم بما يستحقه وظاهره أنه لو عفي ، ولم يسر بل اندمل الجرح لا يتبين صحة العفو فليراجع ع ش ( قوله لاحتمال إلخ ) يصح إرجاعه لقوله يسن إلخ أيضا ( قوله واتفقوا ) إلى قوله ويفرق في المغني إلا قوله كما لا يرد إلى المتن وقوله وكذا الوصي والقيم على الأوجه ( قوله في قود غير النفس ) أي إذا مات مستحقه مغني ( قول المتن الصحيح ثبوته إلخ ) والثاني يثبت للعصبة الذكور خاصة مغني ونهاية ( قوله على حسب الإرث ) فلو خلف القتيل زوجة وابنا كان لها الثمن وللابن الباقي مغني ( قوله : أو عدمها ) أي مع عدم القرابة ( قوله والإمام إلخ ) فيقتص مع الوارث غير الحائز وله أن يعفو على مال إن رأى المصلحة في ذلك مغني ( قوله لا وارث له مستغرق ) يظهر أن النفي راجع لكل من المقيد والقيد ( قوله ومر ) أي في فصل تغير حال المجروح ( قوله يستوفى قود طرفه ) أي الذي جنى عليه قبل الردة سم ( قوله ويأتي في قاطع الطريق ) أي في بابه ( قوله فلا يرد ذلك ) أي كل من مسألة الردة ومسألة قاطع الطريق ؛ لأن ما يأتي يخصص ما هنا وما مر يفيد أن المراد بالوارث هنا ما يشمل قريب المرتد .

                                                                                                                              ( قوله لما سيصرح به أنه يسقط إلخ ) إذ لو ثبت كله لكل وارث لم يسقط بعفو بعضهم سم على حج أي كما لا يسقط حد القذف بعفو بعض الورثة فإن لغير العافي استيفاء الجميع ع ش ( قول المتن وكمال صبيهم ) ولو استوفاه الصبي حال صباه فينبغي الاعتداد به ع ش ( قول المتن ومجنونهم ) وفي سم على المنهج عن الشيخ عميرة ولو قال أهل الخبرة من الأطباء إن إفاقته مأيوس منها فيحتمل تعذر القصاص ويحتمل أن الولي يقوم مقامه ، وهو الظاهر ، ولم أر في ذلك شيئا . ا هـ ع ش وحلبي قال السيد عمر وسكتوا عن المغمى عليه فلينظر . ا هـ أقول حكمه معلوم من [ ص: 434 ] ذكر المجنون بالأولى ( قوله : ولا مدخل إلخ ) عبارة غيره ، ولا يحصل باستيفاء غيرهم من ولي ، أو حاكم ، أو بقية الورثة . ا هـ قال ع ش فلو تعدى الولي ، أو الحاكم وقتل فهل يجب عليه القصاص ، أو الدية ويكون قصد الاستيفاء شبهة فيه نظر والأقرب الأول أخذا من قولهم ؛ لأن القود للتشفي إلخ . ا هـ

                                                                                                                              ( قوله فيه ) أي التشفي ( قوله لوليه الأب إلخ ) قضيته عدم وجوبه عليه ، وإن تعين طريقا للنفقة ، ولو قيل بوجوبه حينئذ لم يبعد وقد يقال هو جواز بعد منع فيصدق بالوجوب ع ش ( قوله وكذا الوصي ) خالفه النهاية والمغني وشرح المنهج وزاد الأول والقيم مثله . ا هـ .

                                                                                                                              أي مثل الوصي في امتناع العفو ( قوله أي يقينا ) عبارة النهاية أي معينا . ا هـ وتعبير الشارح أحسن ( قوله فلا يرد إلخ ) مفرع على قوله أي يقينا ( قوله وإن قرب إلخ ) أي لاحتمال عدم الإفاقة فيه ع ش ( قوله بخلاف الصبي إلخ ) أي بخلاف ولي الصبي فلا يجوز له العفو عن قصاص الصبي فلو كان للولي حق في القصاص كأن كان أبا القتيل جاز له العفو عن حصته ثم إن أطلق العفو فلا شيء له ، وإن عفا على الدية وجبت وسقط القود بعفوه وتجب لبقية الورثة حصتهم من الدية ؛ لأنه لما سقط بعض القصاص بعفوه سقط باقيه قهرا ؛ لأنه لا يتبعض كما يعلم كل ذلك مما يأتي ع ش ( قول المتن ويحبس القاتل ) أي أو القاطع مغني ( قوله حبس الجاني إلخ ) ومؤنة حبسه عليه إن كان موسرا وإلا ففي بيت المال وإلا فعلى مياسير المسلمين ع ش ( قوله من غير توقف إلخ ) أي ولا يحتاج الحاكم في حبسه بعد ثبوت القتل عنده إلى إذن الولي والغائب مغني عبارة الرشيدي قوله من غير توقف إلخ أي والصورة أنه ثبت عليه القتل ومعلوم أنه فرع دعوى الولي ومثله يقال في قوله ، ولا حضور غائب أي بأن ادعى الحاضر وأثبت كما هو ظاهر . ا هـ وقوله ومعلوم أنه إلخ مقتضاه أنه لا حبس فيما إذا غاب الوارث الكامل الحائز وثبت القتل عند الحاكم بنحو إقرار وفيه توقف ظاهر بل مخالفة لتعليل عميرة بما نصه قوله ويحبس القاتل أي كما لو وجد الحاكم مال ميت مغصوبا والوارث غائب فإنه يأخذه حفظا لحق الغائب . ا هـ فليراجع ( قوله وتوقف حبس الحامل ) أي التي أخر قتلها لأجل الحمل والصورة أن الولي كامل حاضر رشيدي ( قوله على الطلب ) أي طلب المستحق إن تأهل وإلا فطلب وليه ( قوله ؛ لأنه قد يهرب ) إلى قوله ؛ لأن له منعه في المغني ( قوله قد يهرب ) من باب نصر ع ش ( قوله فيقتله الإمام ) ، ولا ينتظر ما ذكر مغني قال ع ش عن سم على المنهج عن الأسنى ما نصه لكن يظهر أن الإمام إذا قتله يكون لنحو الصبي الدية في ماله أي قاطع الطريق ؛ لأن قتله لم يقع عن حقه . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله مطلقا ) أي سواء كان المستحق ناقصا ، أو كاملا غائبا ، أو حاضرا ( قول المتن على مستوف ) أي منهم ، أو من غيرهم مغني وشرح المنهج عبارة ع ش قوله وليتفقوا إلخ أي وجوبا فليس لواحد الاستقلال وظاهر الإطلاق جواز كون المستوفي منهم أو من غيرهم ذكرا أجنبيا إذا كان الجاني أنثى سم على حج .

                                                                                                                              أقول ولعل وجهه أنه طريق للاستيفاء فاغتفر النظر لأجله ، ولو بشهوة كما أن الشاهد يجوز له بل قد يجب عليه إذا تعين طريقا لثبوت حق على المرأة ، أو لها . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أو نحو قطعه ) ما أوهمه هذا من جواز قطع المستحق عند عدم الاجتماع مدفوع بما يأتي بعده قريبا رشيدي ( قوله ولا تمكينهم ) أي من جانب الإمام ع ش ( قوله بنحو تغريق ) أي أو تحريق مغني وأسنى ( قوله يتعين كما يأتي ) عبارة المغني يتعين توكيل أجنبي إذا لم يأذن الجاني كما سيأتي . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله فشدد عليه ) أي الجاني ( قوله وأراد كل إلخ ) أي أو بعضهم مغني عبارة الرشيدي هو قيد في كون القرعة بين جميعهم كما لا يخفى . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله يجب على الحاكم ) إلى قوله وقال الشيخان في النهاية ( قوله يجب على الحاكم إلخ ) أي حيث استمر النزاع بين الورثة فإن تراضوا على القرعة بأنفسهم وخرجت لواحد فرضوا به وأذنوا له سقط الطلب عن القاضي ع ش ( قوله ومن قرع ) أي خرجت القرعة له ( قوله إلا بإذن من بقي ) [ ص: 435 ] ينبغي حتى من العاجز فتأمله سم على المنهج ، وهو ظاهر لاحتمال عفوه ، ولو طرأ العجز على من خرجت له القرعة أعيدت القرعة بين الباقين كما سيأتي ع ش ( قوله للقارع ) أي من خرجت له القرعة ( قوله فعله ) أي النكاح ( قوله وقول بعضهم إلخ ) عطف على قول كل إلخ ( قوله عن الاستيفاء ) إلى قوله لاستيفائه ما عدا ذلك في المغني إلا قوله ، وإن كانت المرأة قوية جلدة وقوله ، ولو بادر أجنبي إلى المتن وقوله وكذا إذا لزم إلى المتن ( قوله وإن كانت المرأة إلخ ) خلافا للمغني ( قوله جلدة ) بسكون اللام ع ش .




                                                                                                                              الخدمات العلمية