الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الركن الرابع : الصيغة ، واللفظ المعتد به في الباب ما يدل على الإذن في الانتفاع ، كقوله : أعرتك ، أو خذه لتنتفع به ، وما أشبههما . واختلفوا في الواجب من اللفظ ، فالأصح الأشهر ما قطع به البغوي وغيره : أن المعتبر اللفظ من أحد الطرفين ، والفعل من الآخر . حتى لو قال المستعير : أعرني ، فسلمه المالك إليه ، صحت الإعارة ، كما لو قال : خذه لتنتفع به ، فأخذه ، قياسا على إباحة الطعام . وقال الغزالي : يعتبر اللفظ من جهة المعير ، ولا يعتبر من جهة المستعير ، وإنما يعتبر [ ص: 430 ] منه القبول ، إما بالفعل وإما بالقول . وقال المتولي : لا يعتبر اللفظ في واحد منهما ، حتى لو رآه عاريا فأعطاه قميصا فلبسه ، تمت العارية . وكذا لو فرش لضيفه فراشا أو بساطا أو مصلى ، أو ألقى له وسادة فجلس عليها ، كان ذلك إعارة ، بخلاف ما لو دخل فجلس على الفرش المبسوطة ؛ لأنه لم يقصد بها انتفاع شخص بعينه ، ولا بد في العارية من تعيين المستعير ، وهذا الذي قاله المتولي فيه تمام التشبيه بإباحة الطعام ، ويوافقه ما حكي عن الشيخ أبي عاصم ، أنه إذا انتفع بظرف الهدية المبعوثة إليه حيث جرت العادة باستعماله ، كأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها ، كان عارية ؛ لأنه انتفاع بملك الغير بإذنه .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا المحكي عن أبي عاصم ، هو فيما إذا كانت الهدية لا تقابل . فأما إن كانت عوضا ، فالظرف أمانة في يده كالإجارة الفاسدة ، كذا حكاه المتولي عن أبي عاصم . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : أعرتك حماري لتعيرني فرسك ، فهي إجارة فاسدة ، وعلى كل واحد أجرة مثل دابة صاحبه ، وكذا الحكم ، لو أعاره شيئا بعوض مجهول ، كما لو أعاره دابة ليعلفها ، أو داره ليطين سطحها ، وكذا لو كان العوض معلوما ، ولكن مدة الإعارة مجهولة ، كقوله : أعرتك داري بعشرة دراهم ، أو لتعيرني ثوبك شهرا . وفي وجه ضعيف : أنها عارية فاسدة ، نظرا إلى اللفظ ، فعلى هذا تكون مضمونة عليه ، وعلى الأول : لا ضمان ، ولو بين مدة الإعارة وذكر عوضا معلوما ، فقال : أعرتك هذه الدار شهرا من اليوم بعشرة دراهم ، أو لتعيرني ثوبك شهرا من اليوم ، فهل هي إجارة صحيحة ، أو إعارة فاسدة ؟ وجهان ، بناء على أن الاعتبار باللفظ ، أو المعنى ؟

                                                                                                                                                                        [ ص: 431 ] فرع

                                                                                                                                                                        دفع دراهم إلى رجل وقال : اجلس في هذا الحانوت واتجر فيها لنفسك ، أو دفع إليه بذرا وقال : ازرعه في هذه الأرض ، فهو معير للحانوت والأرض ، وأما الدراهم والبذر ، فهل يكون هبة ، أم قرضا ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية