الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وشهادة امرأتين مع رجل جائزة في قتل الخطأ وفي كل ما ليس فيه قصاص ولا تجوز فيما فيه قصاص ، وكذلك الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي ; لأن القصاص عقوبة تندرئ بالشبهات وفي شهادة النساء ضرب شبهة ; لأن الضلالة ، والنسيان يغلب عليهن ، وكذلك في الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي ; لأنهما بدل وفي البدل القائم مقام الأصل ضرب شبهة فلا يثبت به ما يندرئ بالشبهات ويثبت به ما لا يندرئ بالشبهات ، وهو المال ، ثم بهذه الشهادة إذا تعذر القضاء بالقصاص لا يقضي بالمال بخلاف مسألة الإقرار فإن القاتل إذا أقر بالخطأ بعد ما ادعى الولي العمد يقضي بالمال ; لأن هاهنا تعذر القضاء بالقود لمعنى من جهة الولي ، وهو اشتغاله بإقامة حجة فيها شبهة ، والولي لا ينفرد بأخذ المال بدون رضا القاتل وهناك تعذر القضاء بالقود لمعنى من جهة القاتل ، وهو إقراره بالخطأ ، فينزل ذلك منزلة الرضا منه بأخذ المال وللولي أن يأخذ المال مكان القصاص برضا القاتل .

يوضحه : أن الإقرار موجب للحق بنفسه من غير قضاء القاضي فيتمكن الولي من أخذ ما أقر به القاتل ، وهو [ ص: 106 ] المال فأما الشهادة فلا توجب شيئا بدون قضاء القاضي ، والقاضي إنما يقضي بما شهد به الشهود ، وقد تعذر عليه القضاء بذلك هاهنا لمكان الشبهة فلا يقضي بشيء ، وإن شهد عليه رجلان بالعمد حبس حتى يسأل عنهما ; لأنه صار متهما بالدم ، والسبيل في المتهم أن يحبس لما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في التهمة } وروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا يعدو عليه ويقول أجرني يا أمير المؤمنين فقال من ماذا فقال من الدم فقال احبسوه الحديث . وقد بينا في أول كتاب الحدود أن أخذ الكفيل في العقوبات غير ممكن لما في ذلك من معنى التوثق ، والاحتياط ، وأنه يصار فيه إلى الحبس ، فإن شهد عليه رجل واحد عدل حبسه أيضا أياما ; لأنه صار متهما بالدم فإن خبر الواحد ، وإن كان لا يتم بالحجة فتثبت به التهمة خصوصا إذا كان المخبر عدلا ; ولأن للشهادة شرطين : العدد ، والعدالة ، وقد وجد أحد الشرطين هاهنا ، وهو العدالة ، فهو بمنزلة ما لو تم عدد الشهود ولم تظهر عدالتهم فكما يحبس هناك فكذلك يحبس هاهنا ، فإن جاء شاهد آخر وإلا خلى سبيله ، والعمد في ذلك ، والخطأ وشبه العمد سواء . وكان ينبغي في القياس أن لا يحبس في الخطأ وشبه العمد ; لأن الواجب فيهما المال وفي الديون التي هي غير المؤجلة لا يحبس ما لم تتم الحجة لظهور عدالة الشهود ففيما يكون مؤجلا إلى العاقلة أولى ، ولكنه ترك القياس لما ذكرنا أن المتهم بالدم يحبس فإن القتل أمر عظيم إلى أن يتبين موجبه ; لظهور عذر القاتل ، أو انتفاء عذره ، فإذا ادعى ولي القتيل بينة حاضرة في المصر ، والقتل خطأ أخذ به من المدعى عليه كفيلا إلى ثلاثة أيام بخلاف ما إذا زعم أن بينته غيب ; لأن الدعوى دعوى الدين ، فالخطأ موجب الدية دينا . وأخذ الكفيل بالنفس في دعوى الديون صحيح إذا ادعى بينة حاضرة في المصر فأما في العمد فلا يصار إلى أخذ الكفيل قبل إقامة البينة ولا بعدها ، ولكن قبل إقامة البينة يلازمه المدعي وبعد إقامة البينة يحبسه على سبيل التعزير ، فإن ظهرت عدالة الشهود كان القتل موجبا للقود وقضى عليه بالقود . والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية