الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل: في الوقف التام

وهو الذي انفصل مما بعده لفظا ومعنى.

أخبرنا شيخنا أبو عبد الله محمد بن اللبان، قال: أخبرتني الشيخة الصالحة زين الدار أم محمد الوجيهية بنت علي بن يحيى بن علي الصعيدي، قالت: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن وثيق، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن زرقون، قال: أخبرنا الخولاني قال: أخبرنا أبو عمرو الداني ، قال: أخبرنا أبو الفتح فارس بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن محمد وعبيد بن محمد، قالا: [ ص: 168 ] أخبرنا علي بن الحسين القاضي، قال: أخبرني يوسف بن موسى القطان، قال: حدثنا عفان بن مسلم، قال: حدثنا حماد بن سلمة، وسمعته منه، قال: أخبرنا علي بن زيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه أن جبريل أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل استزده، [فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده] ، حتى بلغ سبعة أحرف، كلها شاف كاف، ما لم تختتم آية عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب.

وفي رواية أخرى ما لم تختتم آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب بمغفرة. فقال أبو عمرو: هذا تعليم الوقف من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام، إذ ظاهر ذلك أن يقطع على الآية التي فيها ذكر الجنة أو الثواب، وتفصل مما بعدها إذا كان ذكر العقاب، وكذلك ينبغي أن يقطع على الآية التي فيها ذكر النار أو العقاب، وتفصل مما بعدها إذا كان ذكر الجنة أو الثواب.

واعلم أن هذا القسم من الوقف، وهو التام، لا يوجد إلا عند تمام القصص وانقضائهن، ويكثر أيضا وجوده في الفواصل، كقوله: {وأولئك هم المفلحون} [البقرة: 5]، ثم الابتداء بقوله: {إن الذين كفروا} [البقرة: 6] و {وأنهم إليه راجعون} [البقرة: 46] ثم الابتداء بقوله: {يا بني إسرائيل} [البقرة: 47].

[ ص: 169 ] وقد يوجد التام قبل انقضاء الفاصلة كقوله تعالى: {لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني} هذا آخر قول الظالم، وتمام الفاصلة من قول الله تعالى: {وكان الشيطان للإنسان خذولا} [الفرقان: 29].

وقد يوجد التام بعد انقضاء الفاصلة بكلمة، كقوله تعالى: {لم نجعل لهم من دونها سترا * كذلك} [الكهف: 90، 91]، آخر الفاصلة (سترا) ، والتمام (كذلك) . وقوله تعالى: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل} [الصافات: 137، 138] آخر الآية (مصبحين) ، والتمام (وبالليل) ، لأنه عطف على المعنى، تقديره مصبحين ومليلين، ومثله قوله تعالى: {وسررا عليها يتكئون وزخرفا} [الزخرف: 34، 35].

وقد يوجد التام أيضا في درجة الكافي من طريق المعنى لا من طريق اللفظ، كقوله تعالى: {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه} الوقف هنا، ويبتدأ بقوله: {وتسبحوه بكرة وأصيلا} [الفتح: 9]، لأن الضمير في {وتوقروه} للنبي -صلى الله عليه وسلم- وفي {وتسبحوه} لله عز وجل، فحصل الفرق بالوقف.

وكذا {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا} وقف تام، ثم تبتدئ {ما لهم به من علم} . وكذا القطع على {ولا لآبائهم} ويبتدأ {كبرت كلمة} وما [ ص: 170 ] أشبه ذلك، مما يتم القطع عليه عند أهل التأويل.

وقد يكون الوقف تاما على قراءة وحسنا على غيرها، نحو {إلى صراط العزيز الحميد} هذا تام على قراءة من رفع الجلالة بعده، وهو {الله الذي} [إبراهيم، 1، 2] وعلى النعت حسن. وكذا مثابة للناس وأمنا وقف تام على قراءة من كسر الخاء في {واتخذوا} [البقرة: 125]، كاف على القراءة الأخرى.

وقد يوجد التام على تأويل، وغير تام على تأويل آخر، كقوله: {وما يعلم تأويله إلا الله} [آل عمران: 7] وقف تام على أن ما بعده مستأنف، وإلى هذا الوقف ذهب نافع، والكسائي، ويعقوب، والفراء، والأخفش، وأبو حاتم، وابن كيسان، وابن إسحاق، والطبري، وأحمد بن موسى اللؤلؤي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ومحمد بن عيسى الأصبهاني، وابن الأنباري، وأبو القاسم عباس بن الفضل. وهذا ظاهر ما يقتضيه تفسير "مقاتل"، وإلى معناه ذهب مالك بن أنس وغيره. ومعنى {والراسخون في العلم يقولون آمنا به} أي: يسلمون ويصدقون به، في قول ابن عباس وعائشة وابن مسعود، وقال عروة بن الزبير: الراسخون في العلم لا يعلمون التأويل، ولكن يقولون: آمنا به كل من عند ربنا، وعلى هذا أكثر المفسرين. وقال آخرون: لا يوقف على قوله {إلا [ ص: 171 ] الله} لأن {والراسخون في العلم} معطوف عليه، وهذا القول اختاره الشيخ أبو عمرو بن الحاجب وغيره، وعلى قول هؤلاء "المتشابه" يحتمل التأويل، وذكر الشيخ أبو عبد الله المديني أن أقوال هذه الفرقة تزيد على الثلاثين..

التالي السابق


الخدمات العلمية