الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      وكما تأولوا الاستواء بالاستيلاء ، واستشهدوا ببيت مجهول مروي على خلاف وجهه ، وهو ما ينسب إلى الأخطل النصراني :

      قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق

      .

      فعدلوا عن أكثر من ألف دليل من التنزيل إلى بيت ينسب إلى بعض العلوج ، ليس على دين الإسلام ، ولا على لغة العرب ، فطفق أهل الأهواء يفسرون به كلام الله - عز وجل - ويحملونه عليه مع إنكار عامة أهل اللغة لذلك ، وأن الاستواء لا يكون بمعنى الاستيلاء بوجه من الوجوه البتة .

      وقد سئل ابن الأعرابي ، وهو إمام أهل اللغة في زمانه ، فقال : العرب لا تقول للرجل استولى على الشيء حتى يكون له فيه مضاد ، فأيهما غلب قيل استولى ، والله سبحانه لا مغالب له . اهـ . وقد فسر السلف الاستواء بعدة معان بحسب أداته المقترنة به ، وبحسب تجريده عن الأداء ، ولم يذكر أحد منهم أنه يأتي بمعنى الاستيلاء حتى [ ص: 360 ] انتحل ذلك أهل الأهواء والبدع ، لا باشتقاق صغير ولا كبير ، بل باستنباط مختلق وافق الهوى المتبع .

      وقد بسط القول في رد ذلك ابن قيم الجوزية - رحمه الله - في كتابه الصواعق ، وبين بطلانه من نيف وأربعين وجها ، فليراجع . وكما أولوا أحاديث النزول إلى سماء الدنيا بأنه ينزل أمره ، فيقال لهم : أليس أمر الله - تعالى - نازلا في كل وقت وحين ، فماذا يخص السحر بذلك ؟ وقال آخرون : ينزل ملك بأمره ، فنسب النزول إليه - تعالى - مجازا . فيقال لهم : فهل يجوز على الله - تعالى - أن يرسل من يدعو ربوبيته ؟ وهل يمكن للملك أن يقول : لا أسأل عن عبادي غيري ؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه ؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ؟ وهل قصرت عبارة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أن يقول : ينزل ملك بأمر الله ، فيقول : إن الله - تعالى - يقول لكم كذا ، أو أمرني أن أقول لكم كذا ، حتى جاء بلفظ مجمل يوهم بزعمكم ربوبية الملك ، لقد ظننتم بالله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ظن السوء ، وكنتم قوما بورا .

      وكما أولوا المجيء لفصل القضاء بالمجاز ، فقالوا : يجيء أمره ، واستدلوا بقوله تعالى : ( هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك ) ، ( النحل : 33 ) ، فقالوا في قوله تعالى : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله ) ، ( البقرة : 210 ) ، فقالوا : هو من مجاز الحذف ، والتقدير : يأتي أمر الله . فيقال لهم : أليس قد اتضح ذلك غاية الاتضاح أن مجيء ربنا - عز وجل - غير مجيء أمره وملائكته ، وأنه يجيء حقيقة ، ومجيء أمره حقيقة ، ومجيء ملائكته حقيقة ، وقد فصل - تعالى - ذلك ، وقسمه ونوعه تنويعا يمتنع معه الحمل على المجاز ، فذكر - تعالى - في آية البقرة مجيئه ومجيء الملائكة ، وكذا في آية الفجر ، وذكر في النحل مجيء ملائكته ومجيء أمره ، وذكر في آية الأنعام إتيانه ، وإتيان ملائكته ، وإتيان بعض آياته التي هي من أمره ، ثم يقال : ما الذي يخص إتيان أمره بيوم القيامة ؟ أليس أمره آتيا في كل وقت ، متنزلا بين السماء والأرض بتدبير أمور خلقه في كل نفس ولحظة : ( يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ) ، ( الرحمن : 29 ) ؟ .

      وتأولوا النظر إلى الله - عز وجل - في الدار الآخرة بالانتظار ، قالوا : إنه كقوله [ ص: 361 ] ( انظرونا نقتبس من نوركم ) ، ( الحديد : 13 ) ، فيقال لهم : أليس إذا كان بمعنى الانتظار تعدى بنفسه لا يحتاج إلى أداة ، كما في قوله : انظرونا ، ألم يضف الله - تعالى - النظر إلى الوجوه التي فيها الإبصار ، ويعده بإلى التي تفيد المعاينة بالبصر عند جميع أهل اللغة ( قل أأنتم أعلم أم الله ) ، أولم يفسره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرؤية الجلية عيانا بالأبصار في أكثر من خمسين حديثا صحيحا ، حتى شبه تلك الرؤية برؤيتنا الشمس صحوا ، ليس دونها سحاب ، تشبيها للرؤية بالرؤية ، لا للمرئي بالمرئي ، ولم يزل الصحابة مؤمنين بذلك ، ويحدثون به من بعدهم من التابعين ، وينقله التابعون إلى من بعدهم ، وهلم جرا ، فنحن أخذنا ديننا عن حملة الشريعة ، عن الصحابة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنتم عمن أخذتم ؟ ! ومن شبهاتهم في نفي الرؤية استدلالهم بقوله عز وجل : ( لا تدركه الأبصار ) ، ( الأنعام : 113 ) ، وهذه الآية فيها عن الصحابة تفسيران :

      أولهما : لا يرى في الدنيا ، وهو مروي عن عائشة - رضي الله عنها ، وبذلك نفت أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه ليلة المعراج .

      ثانيهما : تفسير ابن عباس - رضي الله عنهما - ( لا تدركه ) أي لا تحيط به ، فالنفي للإحاطة لا للرؤية ، وهذا عام في الدنيا والآخرة ، ولم ينقل عن أحد من الصحابة من طريق صحيح ، ولا ضعيف أنه أراد بذلك نفي الرؤية في الآخرة ، فهذا تفسير الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويل الكتاب ، هل بينهم من أحد فسر الآية بما افتريتموه ؟ ومن إفكهم ادعاؤهم معنى التأبيد في نفي ( لن تراني ) ، ( الأعراف : 143 ) حتى كذبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا مختلقا لفظه : لن تراني في الدنيا ولا في الآخرة . وهو موضوع مكذوب على النبي - صلى الله عليه وسلم - باتفاق أئمة الحديث والسنة ، ولم يقل أحد من أئمة اللغة العربية إن نفي " لن " للتأبيد مطلقا إلا الزمخشري من المتأخرين ، قال ذلك ترويجا لمذهبه في الاعتزال وجحود صفات الخالق ، جل وعلا .

      وقد رده عليه أئمة التفسير كابن كثير ، وغيره ، ورده ابن مالك في الكافية حيث قال : [ ص: 362 ]

      ومن يرى النفي بلن مؤبدا     فقوله اردد وسواه فاعضدا



      والقائل لموسى ( لن تراني ) هو المتجلي للجبل حتى اندك ، وهو الذي وعد المؤمنين ( الحسنى وزيادة ) ، وهو الذي قال : ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) فاتضح بذلك أن قوله لموسى صلى الله عليه وسلم : ( لن تراني ) إنما أراد عدم استطاعته رؤية الله - تعالى - في هذه الدار ; لضعف القوى البشرية فيها عن ذلك كما قرر - تعالى - ذلك بقوله - جل جلاله : ( ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا ) ، ( الأعراف : 143 ) الآية ، فإذا لم يثبت الجبل لتجلي الله - تعالى - فكيف يثبت موسى لذلك ، وهو بشر خلق من ضعف ؟ وأما في الآخرة فيخلق الله - تعالى - في أوليائه قوة مستعدة للنظر إلى وجهه عز وجل .

      وبهذا تجتمع نصوص الكتاب والسنة ، وتأتلف كما هو مذهب أهل السنة والجماعة ، وأما من اتبع هواه بغير هدى من الله ، ونصب الخصام أو الجدال والمعارضة بين نصوص الكتاب والسنة ، واتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله إلا الله ، وضرب كتاب الله بعضه ببعض ، وآمن ببعض وكفر ببعض ، وشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ، واتبع غير سبيل المؤمنين ، وأضله الله على علم ، وختم على سمعه وقلبه ، وجعل على بصره غشاوة ، فمن يهديه من بعد الله ؟ أعاذنا الله وجميع المؤمنين من ذلك .

      ولا يتأتى لأحد من أهل التأويل مراده ، ولا يستقيم له تأويله إلا بدفع النصوص بعضها ببعض لا محالة ولا بد ، فإن كتاب الله - تعالى - يصدق بعضه بعضا ، لا يكذبه كما هو مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه ، وكذلك سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - تبين الكتاب وتوضحه وتفسره ، وتدل عليه وترشد إليه ، ولا يشك في ذلك ولا يرتاب فيه إلا من اتخذ إلهه هواه ، وأدلى بشبهاته لغرض شهواته ( بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط ) ، ( البروج : 19 - 20 ) ، وهذا دأبهم في جميع نصوص الأسماء والصفات ، وإنما ذكرنا هذه الجملة مثالا وتنبيها على ما وراء ذلك ، فمن عوفي فليحمد الله ، فالحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، ( وتعطيل ) أي للنصوص بنفي ما اقتضته من صفات كمال الله - تعالى - [ ص: 363 ] ونعوت جلاله ، فإن نفي ذلك من لازمه نفي الذات ، ووصفه بالعدم المحض ، إذ ما لا يوصف بصفة هو العدم ، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا ، ولهذا قال السلف الصالح رحمهم الله - تعالى - في الجهمية : إنهم يحاولون أن يقولوا ليس في السماء إله يعبد ، وذلك لجحودهم صفات كماله ، ونعوت جلاله التي وصف بها نفسه ، ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك يتضمن التكذيب بالكتاب والسنة ، والافتراء على الله كذبا ( فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ) ، ( الزمر : 32 - 35 ) .

      ( وغير تكييف ) تفسير لكنه شيء من صفات ربنا - تعالى - كأن يقال استوى على هيئة كذا ، أو ينزل إلى السماء بصفة كذا ، أو تكلم بالقرآن على كيفية كذا ، ونحو ذلك من الغلو في الدين ، والافتراء على الله عز وجل ، واعتقاد ما لم يأذن به الله ، ولا يليق بجلاله وعظمته ، ولم ينطق به كتاب ولا سنة ، ولو كان ذلك مطلوبا من العباد في الشريعة لبينه الله تعالى ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم يدع ما بالمسلمين إليه حاجة إلا بينه ووضحه ، والعباد لا يعلمون عن الله - تعالى - إلا ما علمهم كما قال تعالى : ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) ، ( البقرة : 255 ) ، وقال تعالى : ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما ) ، ( طه : 110 ) فليؤمن العبد بما علمه الله تعالى ، وليقف معه كهذه الصفات الثابتة في الكتاب والسنة ، وليمسك عما جهله ، وليكل معناه إلى عالمه ككيفيتها ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ، ( الحشر : 7 ) .

      ( ولا تمثيل ) أي ومن غير تشبيه لشيء من صفات الله بصفات خلقه ، فكما أنا نثبت له ذاتا لا تشبه الذوات ، فكذلك نثبت له ما أثبت لنفسه من الأسماء والصفات ، ونعتقد تنزهه وتقدسه عن مماثلة المخلوقات ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ، ( الشورى : 11 ) ، وإذا كان القول على الله بلا علم في أحكام [ ص: 364 ] الشريعة ، هو أقبح المحرمات كما قال تعالى : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) ، ( الأعراف : 33 ) فكيف بالقول على الله بلا علم في إلهيته وربوبيته ، وأسمائه وصفاته من تشبيه خلقه به أو تشبيهه لخلقه في اتخاذ الأنداد معه ، وصرف العبادة لهم ، وإن اعتقاد تصرفهم في شيء من ملكوته تشبيه للمخلوق بالخالق ، كما أن تمثيل صفاته - تعالى - بصفات خلقه تشبيه للخالق بالمخلوق ، وكلا التشبيهين كفر بالله - عز وجل - أقبح الكفر ، وقد نزه الله - تعالى - نفسه عن ذلك كله في كتابه ، كما قال تعالى : ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) ، وقال تعالى : ( رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ) ، ( مريم : 65 ) ، وقال تعالى : ( فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ، وقال تعالى : ( للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ) ، ( النحل : 60 ) ، وقال تعالى : ( فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ) ، ( النحل : 74 ) ، وغير ذلك من الآيات ، بل جميع القرآن من أوله إلى خاتمته في هذا المعنى ، بل لم يرسل الله - تعالى - رسله ، ولم ينزل كتبه إلا بذلك ( والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ) ، ( الأحزاب : 4 ) .

      ( بل قولنا ) الذي نقوله ونعتقده ، وندين الله به هو ( قول أئمة الهدى ) من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الأئمة كأبي حنيفة ، ومالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وابن عيينة ، والليث بن سعد ، وحماد بن زيد ، وحماد بن سلمة ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق بن راهويه ، وأصحاب الأمهات الست ، وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون ، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف وبلا تشبيه ولا تعطيل ، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن [ ص: 365 ] الله عز وجل ، فإن الله - تعالى - لا يشبهه شيء من خلقه ، وليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، بل الأمر كما قال الأئمة : تفسيرها قراءتها ، وقال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري رحمهما الله تعالى : من شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه ، فمن أثبت لله - تعالى - ما أثبته لنفسه مما وردت به الآيات الصريحة ، ووصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - مما ورد في الأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله وعظمته ، ونفى عن الله النقائض ، فقد سلك سبيل الهدى .

      وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله ، وآمنا برسول الله ، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم . وقال أيضا - رحمه الله : لله - تعالى - أسماء وصفات ، جاء بها كتابه ، وأخبر بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - أمته ، لا يسع أحدا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها ; لأن القرآن نزل بها ، وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القول بها ، فيما روى عنه العدول ، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه ، فهو كافر ، أما قبل ثبوت الحجة عليه ، فمعذور بالجهل ; لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية والفكر ، ولا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها ، وتثبت هذه الصفات وينفي عنها التشبيه كما نفى التشبيه عن نفسه - تعالى - فقال سبحانه : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) .

      وقال الإمام أحمد - رحمه الله : ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف نفسه ، قد أجمل الله الصفة ، فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء ، وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه ، قال : فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير ، ولا يبلغ الواصفون صفته ، ولا نتعدى القرآن والحديث ، فنقول كما قال ، ونصف بما وصف به نفسه ، ولا نتعدى ذلك ، ولا يبلغ صفته الواصفون ، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ، ولا نزيل عنه صفة من صفاته بشناعة شنعت ، وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة ، ووضعه كنفه عليه ، فهذا كله يدل على أن الله - سبحانه وتعالى - يرى في الآخرة ، والتحديد في هذا كله بدعة ، والتسليم فيه بغير صفة ، ولا حد إلا ما وصف به نفسه : سميع ، بصير ، لم يزل متكلما ، عالما ، غفورا ، عالم الغيب والشهادة ، علام الغيوب .

      فهذه صفات وصف بها نفسه ، لا تدفع ولا ترد ، وهو [ ص: 366 ] على العرش بلا حد كما قال تعالى : ( ثم استوى على العرش ) كيف شاء المشيئة إليه ، والاستطاعة إليه ليس كمثله شيء ، وهو خالق كل شيء ، وهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير ، لا نتعدى القرآن والحديث ، تعالى الله عما يقول الجهمية والمشبهة . قلت له : والمشبه ما يقول ؟ قال : من قال بصر كبصري ، ويد كيدي ، وقدم كقدمي ، فقد شبه الله - تعالى - بخلقه ، انتهى .

      وكلام أئمة السنة في هذا الباب يطول ، وقد تقدم كثير منه في الاستواء ، والكلام ، والنزول ، والرؤية ، وغير ذلك .

      ( طوبى لمن بهديهم قد اهتدى ) إذ هم خير القرون ، وأعلم الأمة بشريعة الإسلام ، وأولاهم باتباع الكتاب والسنة ، واقتفاء آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبهم حفظ الله الدين على من بعدهم ، فرحمهم الله ، ورضي عنهم وأرضاهم ، وألحقنا بهم سالمين غير مفتونين ، إنه سميع الدعاء .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية