الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
433 [ ص: 327 ] حديث ثان لضمرة بن سعيد

مالك ، عن ضمرة بن سعيد المازني ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي : ما كان يقرأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر ؟ قال : كان يقرأ بـ ( ق والقرآن المجيد ) و ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) .

التالي السابق


يحتمل سؤال عمر رحمه الله مع جلالته لأبي واقد عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العيدين ; ليعلم إن كان عنده من ذلك علم ، وإلا أنبأه به ، ويحتمل أن يكون على مذهب من قال : إن القراءة في العيدين تكون سرا ، وهو قول شاذ . روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : من السنة أن لا يسمع الإمام قراءته من يليه ، ولا يرفع صوته ، ويحتمل أن يكون عمر نسي ذلك أو أراد عاما بعينه ، والله [ ص: 328 ] أعلم بما كان من ذلك ، وموضع عمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معروف ، وأنه كان من أولي الأحلام والنهى الذين كانوا يلونه ، والله أعلم .

وهذا الحديث رواه ابن عيينة ، قال : حدثني ضمرة بن سعيد ، عن عبيد الله بن عبد الله ، قال : خرج عمر يوم عيد ، فسأل أبا واقد الليثي : بأي شيء كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في هذا اليوم ؟ فقال : بقاف و اقتربت وقد زعم بعض أهل العلم بالحديث أن هذا الحديث منقطع ; لأن عبد الله لم يلق عمر ، وقال غيره : هو متصل مسند ، ولقاء عبيد الله لأبي واقد الليثي غير مدفوع ، وقد سمع عبيد الله من جماعة من الصحابة ، ولم يذكر أبو داود في باب ما يقرأ به في العيدين إلا هذا الحديث ، وهذا يدل على أنه عنده متصل صحيح .

واختلفت الآثار أيضا في هذا الباب ، وكذلك اختلف الفقهاء أيضا فيه ، فقال مالك : يقرأ في صلاة العيدين بـ ( والشمس وضحاها ) و ( سبح اسم ربك الأعلى ) ونحوها .

وقال الشافعي بحديث أبي واقد الليثي هذا في قاف ( و ) اقتربت الساعة ( .

[ ص: 329 ] وقال أبو حنيفة يقرأ فيهما بـ ) سبح اسم ربك الأعلى ( و ) هل أتاك حديث الغاشية ( وما قرأ من شيء أجزأه ، وقال أبو ثور يقرأ في العيدين بـ ) سبح اسم ربك الأعلى ( و ) هل أتاك حديث الغاشية ( وقد روي عن عمر بن الخطاب مثل ذلك .

وعن ابن مسعود أنه كان يقرأ فيهما بأم القرآن ، وسورة من المفصل ، وكان أبان بن عثمان يقرأ فيهما بـ ) سبح اسم ربك الأعلى ( و ) اقرأ باسم ربك الذي خلق ( وليس في هذا الباب أثر مرفوع إلا حديث أبي واقد الليثي المذكور في هذا الباب ، وحديث سمرة بن جندب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في العيدين بـ ) سبح اسم ربك الأعلى ( و ) هل أتاك حديث الغاشية ( وحديث حبيب بن سالم ، عن النعمان بن بشير ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، وقد ذكرناهما جميعا في الباب الذي قبل هذا .

وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا هشام ، عن ابن جريج ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في العيد بـ ) سبح اسم ربك الأعلى ( [ ص: 330 ] وفي الثانية بـ ) هل أتاك حديث الغاشية ( وهذا أولى ما قيل به في هذا الباب من طريق الاستحباب ، وفي اختلاف الآثار في هذا الباب دليل على أن لا توقيت فيه ، والله أعلم .

وما قرأ به الإمام في صلاة العيدين أجزأه ، إذا قرأ فاتحة الكتاب .




الخدمات العلمية