الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فأما إذا وكل باستيفاء القود فليس للوكيل أن يستوفي إلا بمحضر من الموكل عندنا وقال الشافعي له أن يستوفي بغير محضر منه ; لأنه محض حقه ويدخله النيابة في الاستيفاء فيكون بمنزلة المال ، ولكنا نقول : القصاص عقوبة تندرئ بالشبهات فلا يجوز استيفاؤها مع الشبهة ويجوز في استيفاء الوكيل مع غيبة الموكل وقد تتمكن شبهة العفو لجواز أن يكون الموكل عفا ، والوكيل لا يعلمه بذلك ومتى وقع الغلط في الاستيفاء لا يمكن تداركه فأما إذا كان الموكل حاضرا فشبهة العفو تنعدم بحضوره ، وقد تمس الحاجة إلى ذلك فمن الناس من لا يهتدي إلى القتل ومنهم من لا يتجاسر عليه فللحاجة جوزنا التوكيل بالاستيفاء عند حضرة الموكل ، والقصاص فيما دون النفس كالقصاص في النفس في ذلك .

وإذا أقر وكيل الطالب عند القاضي أن صاحبه يطلب باطلا ، أو أنه قد عفا صح إقراره بأنه قد عفا ; لأن الوكيل في مجلس الحكم قام مقام الموكل في الإقرار بعد صحة الوكالة ، وكذلك وكيل المطلوب لو أقر بوجوب القصاص على صاحبه ففي القياس يصح إقراره لقيامه مقام موكله في الإقرار في مجلس الحكم ، ولكنا نستحسن فلا نوجب القود على الموكل بإقرار الوكيل ; لأن الإقرار في الحقيقة ضد الخصومة ، ونحن وإن حملنا مطلق التوكيل على الجواب الذي هو خصومته مجازا فتبقى الحقيقة شبهة ، والقصاص يسقط به ففي إقرار وكيل الطالب إسقاط القود وذلك لا يندرئ بالشبهات وفي إقرار وكيل المطلوب إيجاب القود وذلك يندرئ بالشبهات ولا ينبغي للقاضي أن يمضي القضاء بالقود إلا بحضرة الورثة كلهم إذا كانوا بالغين لتمكن شبهة العفو ، والصلح لمن هو غائب منهم ، فإن مات أحد الورثة ، والقاتل وارثه بطل القود عليه ; لأنه تحول إليه نصيب مورثه من القود فيسقط عنه إذ الإنسان كما لا يجب له القصاص على نفسه لا ينفى ، وعليه حصة سائر الورثة من الدية ; لأنه تعذر عليهم استيفاء حقهم لمعنى في القاتل ، وهو أنه حي بعض نفسه ، فهو كما لو عفا أحد الشركاء ، وإن كان ورثه ابن القاتل بطل القود أيضا ; لأن الابن كما لا يستوجب القصاص على أبيه ابتداء لا يبقى له على أبيه قصاص ; لأنه لا يتمكن من استيفائه بحال ، ولكن عليه الدية لجميع الورثة ، فإن نصيب الابن هاهنا يتحول إلى الدية كنصيب سائر الورثة ; لأنه من أهل أن يستوجب المال على أبيه ويستوفيه .

والوكالة في [ ص: 174 ] دم الخطأ وفي العمد من الجراح التي لا قصاص فيها بمنزلة الوكالة بالمال ; لأن المستحق هاهنا هو المال ، وهو مما يثبت مع الشبهة ، وإذا وقع فيه الغلط أمكن تداركه ، والأسباب مطلوبة لأحكامها وعند اعتبار الحكم هذا دين كسائر الديون فيجوز التوكيل بإثباته واستيفائه ويكون إقرار الوكيل به في مجلس الحكم نافذا على موكله .

التالي السابق


الخدمات العلمية