الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وهذا كتاب أنزلناه تحقيق لإنزال القرآن الكريم بعد تقرير إنزال ما يشير به من التوراة، وتكذيب لكلمتهم الشنعاء إثر تكذيب وتنكير (كتاب) للتفخيم، وجملة (أنزلناه) في موضع الرفع صفة به

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله سبحانه: مبارك أي كثير الفائدة والنفع لاشتماله على منافع الدارين وعلوم الأولين والآخرين صفة بعد صفة. قال الإمام : جرت سنة الله تعالى بأن الباحث عن هذا الكتاب المتمسك به يحصل به عز الدنيا وسعادة الآخرة، ولقد شاهدنا والحمد لله عز وجل ثمرة خدمتنا له في الدنيا فنسأله أن لا يحرمنا سعادة الآخرة إنه البر الرحيم. وقوله جل وعلا : مصدق الذي بين يديه صفة أخرى، والإضافة -على ما نص عليه أبو البقاء- غير محضة، والمراد بالموصول إما التوراة لأنها أعظم كتاب نزل قبل ولأن الخطاب مع اليهود ، وإما ما يعمها وغيرها من الكتب السماوية، وروي ذلك عن الحسن. وتذكير الموصول باعتبار الكتاب أو المنزل أو نحو ذلك، ومعنى كونها بين يديه أنها متقدمة عليه. فإن كل ما كان بين اليدين كذلك وتصديقه للكل في إثبات التوحيد والأمر به ونفي الشرك والنهي عنه. وفي سائر أصول الشرائع التي لا تنسخ

                                                                                                                                                                                                                                      ولتنذر أم القرى قيل : عطف على ما دل عليه صفة الكتاب كأنه قيل : أنزلناه للبركات وتصديق ما تقدمه والإنذار. واختار العلامة الثاني كونه عطفا على صريح الوصف أي كتاب مبارك وكائن للإنذار، وادعي أنه لا حاجة مع هذا إلى ذلك التكلف فإن عطف الظرف على المفرد في باب الخبر والصفة كثير، ودعوى أن الداعي إليه عرو تلك الصفات السابقة عن حرف العطف واقتران هذا به تستدعي القول بأن الصفات [ ص: 222 ] إذا تعددت ولم يعطف أولها يمتنع العطف أو يقبح والواقع خلافه، والأولى ما يقال : إن الداعي أن اللفظ والمعنى يقتضيانه، أما المعنى فلأن الإنذار علة لإنزاله كما يدل عليه وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ولو عطف لكان على أول الصفات على الراجح في العطف عند التعدد؛ ولا يحسن عطف التعليل على المعلل به ولا الجار والمجرور على الجملة الفعلية فإنه نظير هذا رجل قام عندي وليخدمني وهو كما ترى، ومنه يعلم الداعي اللفظي

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أن يكون علة لمحذوف يقدر مؤخرا أو مقدما أي ولتنذر أنزلناه أو وأنزلناه لتنذر، وتقديم الجار للاهتمام أو للحصر الإضافي، وأن يكون عطفا على مقدر أي لتبشر ولتنذر وأيا ما كان ففي الكلام مضاف محذوف أي أهل أم القرى، والمراد بها مكة المكرمة وسميت بذلك لأنها قبلة أهل القرى وحجهم وهم يتجمعون عندها تجمع الأولاد عند الأم المشفقة ويعظمونها أيضا تعظيم الأم، ونقل ذلك عن الزجاج والجبائي ولأنها أعظم القرى شأنا فغيرها تبع لها كما يتبع الفرع الأصل. وقيل: لأن الأرض دحيت من تحتها فكأنها خرجت من تحتها كما تخرج الأولاد من تحت الأم أو لأنها مكان أول بيت وضع للناس، ونقل ذلك عن السدي

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو بكر عن عاصم (لينذر) بالياء التحتية على الإسناد المجازي للكتاب لأنه منذر به ومن حولها من أهل المدر والوبر في المشارق والمغارب لعموم بعثته صلى الله تعالى عليه وسلم الصادع بها القرآن في غير آية، واللفظ لا يأبى هذا الحمل فلا متمسك بالآية لطائفة من اليهود زعموا أنه صلى الله تعالى عليه وسلم مرسل للعرب خاصة، على أنه يمكن أن يقال : خص أولئك بالذكر لأنهم أحق بإنذاره عليه الصلاة والسلام؛ كقوله تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين ولذا أنزل كتاب كل رسول بلسان قومه والذين يؤمنون بالآخرة وبما فيها من الثواب والعقاب، ومن اقتصر على الثاني في البيان لاحظ سبق الإنذار يؤمنون به أي بالكتاب، قيل : أو بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنهم يرهبون من العذاب ويرغبون في الثواب ولا يزال ذلك يحملهم على النظر والتأمل حتى يؤمنوا به وهم على صلاتهم يحافظون

                                                                                                                                                                                                                                      92

                                                                                                                                                                                                                                      - يحتمل أن يراد بالصلاة مطلق الطاعة مجازا أو اكتفى ببعضها الذي هو عماد الدين وعلم الإيمان ولذا أطلق على ذلك الإيمان مجازا كقوله تعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية