الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولم يصل غيره بعده ) أي بعد ما صلى الولي ; لأن الفرض قد تأدى بالأولى والتنفل بها غير مشروع إلا لمن له الحق ، وهو الولي عند تقدم الأجنبي إن قلنا إن إعادة الولي نفل وإلا فلا استثناء ، وقد اختلف المشايخ في إعادة من هو مقدم على الولي إذا صلى الولي كالسلطان والقاضي فذهب صاحب النهاية والعناية إلى أن المراد بالغير من ليس له تقدم على الولي أما من كان مقدما على الولي فله الإعادة بعد صلاة الولي ; لأن الولي إذا كان له الإعادة إذا صلى غيره مع أنه أدنى فالسلطان [ ص: 196 ] والقاضي لهما الإعادة بالطريق الأولى ، وهو مصرح به في رواية النوادر ويشهد له ما في الفتاوى ، وفي السراج الوهاج قوله : فإن صلى الولي عليه لم يجز أن يصلي أحد بعده يعني سلطانا كان أو غيره ففيه دلالة على تقديم حق الولي من حيث إنه جوز له الإعادة ، ولم يجوز للسلطان إذا صلى الولي فافهم ذلك ا هـ .

                                                                                        وكذا ذكر المصنف في المستصفى ، وقد ظهر للعبد الضعيف أن الأول محمول على ما إذا تقدم الولي مع وجود من هو مقدم عليه ; لأنه حيث حضر فالحق له فكانت صلاة الولي تعديا ، والثاني محمول على ما إذا لم يحضر غير الولي فصلى الولي ثم جاء المقدم عليه فليس له الإعادة ; لأن الفرض قد سقط بصلاة من له ولايتها - والله سبحانه وتعالى أعلم - ثم رأيت بعد ذلك في المجتبى ما يفيده قال : فإن صلى عليه الولي لم يجز أن يصلي عليه أحد بعده وهذا إذا كان حق الصلاة له بأن لم يحضر السلطان ، وأما إذا حضر وصلى عليه الولي يعيد السلطان ا هـ . .

                                                                                        [ ص: 195 - 196 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 195 - 196 ] ( قوله ويشهد له ما في الفتاوى ) أي ما مر في القولة السابقة وفي هذه الشهادة نظر ; لأن ما مر عن الفتاوى هو أنه لو صلى السلطان ونحوه ليس للولي حق الإعادة ; لأنهم أولى منه ، ولا دلالة في ذلك على أن لهم الإعادة إذا صلى الولي ; لأن أولوية السلطان ونحوه لوجوب تعظيمه ولأن في التقدم عليه ازدراء به لا لكون الحق لهم بل الحق إنما هو للولي وتقدمهم عليه لعارض فإذا صلى صاحب الحق ، ولم يراع حرمتهم لا يلزم منه أن يكون لهم حق الإعادة ومثل ذلك الابن مع الأب فإن الحق للابن ولكنه يقدم أباه احتراما له ، ولا يرد إمام الحي ; لأن تقديمه على الولي مندوب لا واجب كتقديم السلطان ( قوله وقد ظهر للعبد الضعيف إلخ ) قال في النهر فيه نظر ; لأن كلمتهم متفقة على أنه لا حق للسلطان عند عدم حضوره وقد علمت ثبوت الخلاف مع حضوره ا هـ .

                                                                                        وحاصله أنه حمل الخلاف بين كلامي النهاية والسراج على حالة حضوره أما عند عدمه فليس مما الخلاف فيه لما مر أن أولوية السلطان إن حضر ، وعليه فما في المجتبى مثل ما في النهاية والذي يظهر لي أن كلام النهاية ليس خاصا بحالة حضوره يدل عليه ما ذكره بعده عن المبسوط في الجواب عن دليل الشافعي على جواز الإعادة حيث قال لا تعاد الصلاة على الميت إلا أن يكون الولي هو الذي حضر فإن الحق له ، وليس لغيره ولاية إسقاط حقه ، وهو تأويل فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فإن الحق كان له قال الله تعالى { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } ، وهكذا تأويل فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم فإن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كان مشغولا بتسوية الأمور وتسكين الفتنة فكانوا يصلون عليه قبل حضوره وكان الحق له ; لأنه هو الخليفة فلما فرغ صلى عليه ثم لم يصل أحد بعده عليه . ا هـ .

                                                                                        وهذا يشكل أيضا على توفيق المؤلف كما نبه عليه الشيخ إسماعيل إلا أن يقال إنه لم يصل أحد قبل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، ولا قبل أبي بكر رضي الله تعالى عنه ممن له ولاية الصلاة بل جميع من صلى كان أجنبيا وبه يندفع ما مر لكنه يتوقف على إثبات ذلك وأنه لم يصل على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أحد من أقاربه قبل الصديق ، وهو بعيد تأمل ثم ظاهر الجواب المذكور عن المبسوط يؤذن أن لمن لم يصل عليها الصلاة قبل الولي ، وليس بمراد لما في الفتح ، وما في الصحيحين { أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أتى على قبر منبوذ فصفهم فكبر أربعا } دليل على أن إن لم يصل أن يصلي على القبر ، وإن لم يكن الولي ، وهو خلاف مذهبنا فلا مخلص إلا بادعاء أنه لم يكن صلى عليها أصلا ، وهو في غاية البعد من الصحابة . ا هـ .

                                                                                        قلت : بل لا يصح هذا الادعاء أصلا في صلاتهم عليه صلى الله تعالى عليه وسلم .




                                                                                        الخدمات العلمية