الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو غصب عبدا فقتل عنده قتيلا خطأ بأمره أو بغير أمره ثم رده إلى المولى فقتل عنده آخر خطأ فاختار المولى دفعه بهما فإنه يكون بينهما نصفين لاستواء حقهما في رقبته ثم أخذ المولى من الغاصب نصف قيمة العبد استحق قبل الجناية الأولى بجناية كانت من العبد عند الغاصب ثم يدفع هذا النصف إلى ولي قتيل الأول ويرجع بمثله أيضا على الغاصب فيكون للمولى وهذا [ ص: 54 ] قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد وزفر : يأخذ المولى نصف القيمة من الغاصب فيسلم له ولا يدفعه إلى الأول والقياس هذا لأنه إنما يرجع على الغاصب بقيمة نصف المدفوع إلى ولي الجناية الأولى فلو أمر بدفع ذلك النصف إليه اجتمع البدل والمبدل في ملك شخص واحد وذلك لا يجوز هذا ولأن المصير إلى القيمة عند عدم سلامة العين لتقوم القيمة مقام العين وذلك النصف سالم لولي الجناية الأولى فلا حق له في بدلها والنصف الذي أخذه ولي الجناية الثانية فات ولم يخلف بدلا لأن استحقاق ذلك النصف بجناية كانت عند الولي فلا يكون لولي الجناية الأولى أن يرجع على المولى بشيء .

وأبو حنيفة وأبو يوسف قالا : حق ولي الجناية الأولى ثبت في جميع العبد فارغا وإنما سلم له نصف العبد فلا يجوز أن يسلم للمولى شيء من قيمة العبد مع بقاء نصف حق ولي الجناية الأولى ولكن يدفع إليه هذا النصف من القيمة حتى يسلم له كمال حقه نصف العبد ونصف قيمته بمنزلة ما لو كانت الجناية الأولى عند المولى والجناية الثانية عند الغاصب فدفعه المولى بهما فإنه يرجع بنصف القيمة على الغاصب فيدفعه إلى ولي الجناية الأولى بالاتفاق إلا أن محمدا رحمه الله يفرق بما ذكرنا أن رجوع الولي هناك بقسمة نصف المدفوع إلى ولي الجناية الثانية لأن تلك الجناية كانت عند الغاصب وقد كان حق ولي الجناية الأولى ثابتا فيه وها هنا رجوعه بقيمة النصف المدفوع إلى ولي الجناية الأولى ولكنهما يقولان هذا في ما بين الغاصب والمولى بدل عن النصف المدفوع إلى ولي الجناية الأولى فأما في حق ولي الجناية الأولى فلا يكون بدلا عن ذلك ولكنه يجعل بدلا عن النصف المدفوع إلى ولي الجناية الثانية لأن ذلك لم يسلم له بعد ما ثبت حقه فيه أو ما يأخذه ولي الجناية الأولى من القيمة لا يستحقه باعتبار أنه بدل عن النصف الأول أو عن النصف الثاني وإنما يستحقه باعتبار الجناية الحاصلة من العبد على وليه حال فراغه عن كل حق وصيرورته مقدما على المولى في استحقاق جميع العبد به وهو بمنزلة الذمي يبيع خمرا يقضي بالثمن دين المسلم فإن المقبوض يطيب للمسلم لأنه في حق البائع المقبوض ثمن الخمر وفي حق المسلم إنما يأخذ ما يأخذه باعتبار دينه لا باعتبار أنه بدل الخمر فيطيب له ذلك .

ثم ذكر في الفصل الثاني أن العبد لو كان جنى الجناية الأولى عند المولى والثانية عند الغاصب فدفعه المولى بهما فإنهما يقتسمان العبد نصفين ثم يرجع المولى على الغاصب بنصف القيمة وهو بدل ما استحقه ولي الجناية الثانية فيدفعه إلى الأول ثم لا يرجع المولى بشيء من ذلك على الغاصب ; لأن استحقاق هذا النصف من القيمة كان بجناية [ ص: 55 ] من العبد عند المولى والغاصب غصب العبد مشغولا بالجناية الأولى ثم رد نصف القيمة كذلك مشغولا بالجناية ولو رد جميع القيمة فاستحقها ولي الجناية الأولى بعد ما هلك العبد عنده لم يرجع المولى عليه بشيء وكذلك إذا رد نصف القيمة فاستحقه ولي الجناية الأولى .

ثم بنى المسائل إلى آخر الباب بعد هذا على فصل مختلف فيه وهو أن جناية العبد المغصوب على المغصوب منه أو على ماله معتبرة في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قول صاحبيه هدر وأما جنايته على الغاصب أو على مال الغاصب فهدر في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قولهما معتبر وجه قولهما أن العبد بعد الغصب باق على ملك المغصوب منه والغاصب منه كالأجنبي بدليل أن التصرفات المختصة بالملك تنفذ فيه من المولى دون الغاصب وكذلك في حكم الجناية حتى لو جنى على أجنبي كان المولى هو المخاطب بالدفع أو الفداء دون الغاصب ثم رجوع المولى على الغاصب يكون بسبب الغصب لا بسبب الجناية ، وذلك أنه يقرر ملك المولى .

إذا ثبت هذا فنقول : جناية المملوك على مال مالكه أو على نفسه فيما يكون خطأ هدر إما لأن المستحق بهذه الجناية من مملوك له على نفسه في نفسه أو ماليته والمالك لا يستحق ملكه لنفسه على نفسه أو لأن جناية المملوك فيما يكون موجبا للمال كجناية المالك وجنايته على نفسه وعلى مال نفسه هدر فكذلك جناية مملوكه عليه يدل عليه أن بسبب الملك تهدر جناية المولى على مملوكه وجناية المملوك على مولاه فيما يكون موجبا للمال ثم في أحد الحكمين المغصوب كغيره حتى أن المغصوب منه إذا قتل العبد المغصوب كان ذلك هدرا وإذا قتله الغاصب كان معتبرا فكذلك في الحكم الآخر قلنا : تهدر جناية العبد على المغصوب منه فتعتبر جنايته على الغاصب لأن الغاصب من ملك الرقبة كأجنبي فلهذا تعتبر جنايته على العبد وكذلك تعتبر جناية العبد عليه بمنزلة ما لو كان العبد في جنايته وديعة أو عارية وبأن كان مغصوبا على الغاصب فكذلك لا يدل اعتبار جنايته على مولاه كالعبد المرهون إذا جنى على الراهن لا تعتبر جنايته وإن كان مضمونا على المرتهن بالقبض يوضحه أن في اعتبار جنايته على الغاصب فائدة وهو أن يتملك الغاصب رقبته على المولى بسبب الجناية وما ثبت له هذا الحق بسبب الغصب بل كان عليه رد العين وللإنسان في ملك الغير غرض فينبغي أن تعتبر جنايته عليه ليتملك به العبد وإن كان المولى يرجع عليه بقيمته إذا دفعه إليه بالجناية .

وأبو حنيفة رحمه الله يقول : الغاصب في حكم جناية المغصوب كالمالك باعتبار المال والمغصوب منه بمنزلة الأجنبي الدليل عليه أنه لو جنى على أجنبي آخر كان قرار ضمان الجناية على الغاصب [ ص: 56 ] واستحقاق ضمان جناية العبد على مالكه فلما كان قرار ضمان جنايته على الغاصب هاهنا عرفنا أنه صار كالمالك في حكم ضمان الجناية والمولى كالأجنبي يوضحه أن إهدار جناية المملوك على المالك ليس لعين الملك بل لأن اعتبارها غير مفيد .

( ألا ترى ) أنه لو قتل مولاه عمدا فإنه تعتبر جنايته عليه في حكم القصاص لأنه مفيد فإذا عرفنا هذا فنقول هاهنا : لو اعتبرنا جنايته على مولاه أو على مال مولاه كان مفيدا لأنه ثبت للمولى حق الرجوع على الغاصب باعتباره بعد ما أخذ العبد كما لو جنى على غيره فلكونه مفيدا وجب اعتباره بمنزلة جناية المولى على عبده المديون فإنه يكون معتبرا لحق الغرماء لأن ذلك مفيد لا فائدة في اعتبار جنايته على مال الغاصب ; لأنه يستحق به ماليته ثم يرجع المولى بتلك المالية فأي فائدة تكون في اعتبار هذه الجناية في جنايته على نفس الغاصب قال بعض مشايخنا رحمهم الله في قول أبي حنيفة رحمه الله : لاستحقاق ملك العبد بها على قياس مسألة أطلق جوابها في آخر الباب كما بيناه والأصح : أن الخلاف فيهما جميعا وهذا لأن المجني عليه لا يستحق رقبة العبد إلا باختيار المولى الدفع إليه والمولى مخير بين الدفع وبين الفداء فإنما يكون المستحق به المالية فقط ولهذا لو أعتقه المولى قبل العلم بالجناية نفذ عتقه ولم يغرم إلا قيمته فهو من هذا الوجه بمنزلة الجناية على ماله .

وقد بينا الفرق بين هذا وبين جناية المرهون على الراهن في كتاب الرهن أن اعتبار جناية المرهون لحق المرتهن ولا فائدة للمرتهن في اعتبار جنايته على الراهن ، يوضح الفرق أن ضمان الرهن ليس بضمان مال فإنه وإن تقرر لا يوجب الملك للمرتهن فلو اعتبرنا جنايته وجعلنا قرار ذلك المرتهن لا يتبين به أن العبد مملوك للمرتهن وها هنا ضمان الغصب إذا تقرر أوجب الملك للغاصب من وقت الغصب فيتبين أن جنايته على المغصوب منه جناية على غير المالك فلهذا اعتبرنا ذلك وأن جنايته على العبد المغصوب جناية على المالك فلهذا لا يعتبر فوضح كلام أبي حنيفة بما استشهد به في الكتاب أن العبد المغصوب لو قتل نفسه جعل الغاصب ضامنا لقيمته وكذلك إذا قتل عبدا آخر للمغصوب منه بل أولى فإن جنايته على غيره أقرب إلى الاعتبار من جنايته على نفسه ثم لما اعتبرنا جنايته على نفسه هاهنا وجب الضمان على الغاصب وإن كان هو ملكا للمغصوب منه فكذلك جنايته على عبد آخر للمغصوب منه فإن قيل : نحن لا نعتبر جنايته على نفسه ولكنا نجعل قتله نفسه كموته في يد الغاصب .

فكذلك قتله عبدا آخر للمغصوب منه يجعل كموت ذلك العبد قلنا : لا كذلك فإنا لو لم نعتبر جنايته في إيجاب الضمان على الغاصب لزمنا جعل [ ص: 57 ] جنايته كجناية مالكه على ما قالا : إن جناية المملوك في حكم الضمان كجناية المالك فلو قتله المغصوب منه لم يجب شيء فكان ينبغي إذا قتل المغصوب نفسه أن لا يجب شيء على الغاصب أيضا واستدلالهما بهذا الفصل ساقط لأن المغصوب منه بقتل العبد يصير مستردا له فينعدم به الضمان الذي باعتباره كان هو كالأجنبي والغاصب كالمالك وذلك لا ينعدم بجناية المغصوب على أحدهما فلهذا افترقا قال الشيخ الإمام : إذا عرفنا هذا احتجنا إلى بيان المسائل فنقول : لو غصب عبدا وجارية فقتل كل واحد منهما عنده قتيلا ثم قتل العبد الجارية ثم رده الغاصب إلى المولى فاختار دفعه فإنه يضرب فيه أولياء قتيله بالدية وأولياء قتيلها بقيمتها لأنه جني عليها وهي مشغولة بحق أولياء قتيلها فكذلك يعتبر جنايته عليهم ثم يرجع المولى على الغاصب بقيمة العبد وقيمة الجارية ; لأن الجارية كانت مضمونة عليه ولم يوجد الرد فيها أصلا .

والرد في العبد لم يسلم حين استحق بجنايته عند الغاصب فإذا استوفى قيمته من قيمة الجارية إلى أولياء قتيلها لأنها ماتت وأخلفت عوضا وقد كانت نفسها مستحقة لأولياء قتيلها فيكون لهم أن يأخذوا ما بقي من حقهم من قيمتها ثم يرجع به المولى على الغاصب لأن ذلك استحق من يده بجناية كانت جنتها عند الغاصب ويأخذ أولياء قتيل العبد من قيمة العبد تمام قيمة العبد لأن حقهم كان قد ثبت في جميع العبد فارغا ولم يسلم لهم إلا البعض وقد أخلف العبد عوضا فيستوفى ما بقي لهم من قيمة العبد ويرجع بذلك المولى على الغاصب ولو اختار المولى الفداء وأدى دية قتيل العبد وأدى قيمة الجارية إلى ولي قتيل الجارية لأن فداء العبد إنما يكون بأرش جنايته وجنايته كانت على الحر وعلى الجارية ثم يرجع على الغاصب بقيمة العبد والجارية لانعدام الرد في الجارية وانعدام سلامة الرد في العبد بدون الأرش وتأويل ما ذكر في هذه المسألة فيما إذا كان الغاصب بعيدا أو كان غائبا فإذا كان حاضرا وتمكن المولى أخذها منه .

فتخرج المسألة على وجه آخر كما ذكره بعد هذا وهذه المسألة إنما ذكرها في نسخ أبي حفص رحمه الله فأما في نسخ أبي سليمان رحمه الله فإنما ذكر المسألة الطويلة وبين التقسيم في الجواب فقال : إذا اغتصب عبدا وجارية وقيمة كل واحد منهما ألف فقتل كل واحد منهما عنده قتيلا ثم قتل العبد الجارية ثم رده على المولى فإنه يرد معه قيمة الجارية لتعذر ردها بالهلاك ثم يدفع المولى هذه القيمة إلى ولي قتيل الجارية ; لأنها كانت مستحقة له وقد ماتت وأخلفت قيمة فهو أحق بقيمتها ثم يرجع بها على الغاصب لأن استحقاق قيمتها من يده بجنايتها عند الغاصب كاستحقاق عينها فيرجع بقيمتها مرة أخرى [ ص: 58 ] لتقوم مقام الجارية للمولى فارغة كما غصبها ثم يخير المولى في العبد بين الدفع والفداء .

فإن اختار الفداء أفداه بالدية ورجع بقيمته على الغاصب وهذا قياس قول أبي حنيفة رحمه الله فأما على قولهما إن اختار الفداء أفداه بالدية لولي قتيل الغلام ولا يرجع بقيمته على الغاصب .

وإن اختار الدفع دفعه إلى ولي قتيل الغلام وإلى الغاصب على أحد عشر سهما لأن قيمة الجارية لما تقررت على الغاصب فقد ملكها بالضمان فظهر أن العبد المغصوب جنى على أمة الغاصب وهو هدر في قول أبي حنيفة رحمه الله وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهم الله هو معتبر فإذا اختار الفداء وفداء العبد بالدية فقد استوجب هو الرجوع بقيمة العبد على الغاصب واستوجب الغاصب الرجوع عليه بقيمة الأمة لاختياره الفداء أو اعتباره جناية العبد على الأمة فيقع المقاصة لاستواء القيمتين فلهذا لا يرجع على الغاصب بشيء .

وإن اختار الدفع فقد اجتمع في العبد جنايتان معتبرتان جناية على الحر فيضرب ولي الحر فيه بالدية وجناية على الأمة فيضرب الغاصب فيه بقيمتها وهو ألف درهم فإذا جعلت كل ألف سهما كان العبد بينهما على أحد عشر سهما عشرة لولي قتيل الغلام وجزء للغاصب ثم يرجع المولى على الغاصب بقيمة الغلام ; لأن الغلام استحق من يده بجنايته عند الغاصب فيدفع منها جزءا من أحد عشر جزءا إلى ولي قتيل الغلام لأن حقه كان يثبت في جميع العبد فارغا عشرة وإنما سلم منه جزءا وقد فات الجزء الواحد وأخلف بدلا فإذا دفع ذلك إليه رجع به على الغاصب أيضا لأنه استحق بجنايته عند الغاصب فإذا رجع به صار في يد المولى قيمة الغلام تامة وقيمة الجارية صار في يد ولي قتيل الغلام عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من العبد وجزء من أحد عشر من قيمته وصار في يد الغاصب من الغلام جزء من أحد عشر جزءا وصار في يد ولي قتيل الجارية قيمة الجارية فإن كان الغاصب معسرا ولم يقدر عليه ليؤخذ منه قيمة الجارية واختار المولى الدفع فإن قال ولي قتيل الجارية : لا أضرب بقيمة الجارية في الغلام ولكني أنظر فإن خرجت قيمة الجارية أخذتها كان له ذلك لأن لحقه محلين فله أن يختار أيهما ثم في قياس قول أبي حنيفة يدفع الغلام كله إلى ولي قتيل الغلام لأن جنايته على الأم غير معتبرة عنده كما بينا فإنها باعتبار المآل للغاصب فإذا دفعه إلى ولي قتيله رجع على الغاصب بقيمته وبقيمة الجارية فيدفع قيمة الجارية إلى ولي قتيلها ثم يرجع به عليه فيصير في يده قيمتان .

فأما في قياس قول أبي يوسف ومحمد يدفع من العبد عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا إلى ولي قتيل الغلام ويترك الجزء في يديه لأن جنايته على الأمة جناية معتبرة [ ص: 59 ] وهذا الجزء الفائت في حقه ولكنه ما لم يؤد قيمتها لا يتمكن من قبض هذا الجزء فيترك في يد المولى حتى إذا خرجت قيمة الجارية أخذها المولى فيدفعها إلى ولي قتيلها ثم يرجع بها على الغاصب ثم يقال للمولى : ادفع هذا الجزء إلى الغاصب أو افده بقيمة الجارية فإن دفعه رجع عليه بقيمة الغلام فيدفع منها إلى ولي قتيل الغلام جزءا من أحد عشر جزءا بدل ما لم يسلم له من العبد ويرجع به على الغاصب وإن فداه فإنما يفديه بقيمة الجارية ولكنه يرجع بقيمة الغلام على الغاصب والقيمتان سواء فيكون أحدهما قصاصا بالأخرى ويدفع مكان ذلك الجزء إلى ولي قتيل الغلام جزءا من أحد عشر جزءا من قيمته لأنه بطريق المقاصة صار مستوفيا لقيمته كأنه استوفاه حقيقة ثم يرجع بقيمته على الغاصب لأن استحقاق ذلك من يده كان بجناية العبد عند الغاصب .

وإن قال ولي قتيل الجارية : أنا أضرب في الغلام بقيمتها دفع إليهما فيضرب فيه ولي قتيل الجارية بقيمتها وولي قتيل الغلام بالدية فيكون بينهما على أحد عشر كما بينا فإن قدر الغاصب أو أيسر أدى إلى المولى قيمة الجارية لانعدام الرد في الجارية أصلا ولانعدام سلامة الرد في الغلام فيدفع من قيمة الغلام إلى ولي قتيل الغلام جزءا من أحد عشر جزءا من قيمته بدل ما لم يسلم له من العبد ويرجع به على الغاصب وقال : وليس لولي قتيل الجارية إلا ما أصابه من الغلام ولا يعطى من قيمة الجارية شيء وقد ذكر قبل هذا في المسألة القصيرة أنه يعطى من قيمة الجارية إلى أولياء قتيلها تمام قيمتها ففي هذا الجواب روايتان وقد بينا وجه تلك الرواية أن حقهم كان ثابتا في جميعها فيعطون من بدلها كمال حقهم وجه هذه الرواية أن ما استوفى ولي قتيل الجارية من العبد كان بمقابلة الجارية فيكون استيفاؤه ذلك الجزء بمنزلة استيفائه جميع قيمتها فلا يكون له أن يرجع بشيء آخر بعد ذلك وهذا لأنه كان مخيرا بين شيئين فإذا اختار أحدهما يعين ذلك له ولا يبقى له في المحل الآخر حق كالمغصوب منه إذا اختار تضمين الغاصب الأول أو الثاني وإن اختار المولى الفداء فداه بعشرة آلاف وبقيمة الجارية ثم يرجع على الغاصب بقيمة الغلام وبقيمتين في الجارية قيمة مكان القيمة التي أداها إلى أولياء جنايتها وقيمة أخرى بالغصب ليسلم له مكان الجارية .

وهذا قول أبي حنيفة فأما على قياس قولهما إذا أدى الغاصب قيمة الغلام وقيمة الجارية صار كأن الجارية كانت له لتقرر ضمانها عليه فيقال للمولى : ادفع جزءا من أحد عشر جزءا من العبد إليه أو افده بقيمة الجارية وأي ذلك فعل لم يرجع على الغاصب بشيء لما بينا من حكم المقاصة فيما يرجع كل واحد منهما على . [ ص: 60 ] صاحبه هذا تمام بيان هذه المسألة .

التالي السابق


الخدمات العلمية