الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : وإذا اغتصب الرجل عبدا واستودع مولى العبد الغاصب أمة فقتل العبد قتيلا عند الغاصب ثم قتل الأمة فإنه يكون على الغاصب قيمة العبد لهلاكه عند الغاصب فإذا أخذها المولى دفعها إلى أولياء القتيل لأن العبد قد مات وأخلف القيمة وقد كانت نفسه مستحقة لأولياء القتيل ثم يدفع الغاصب قيمة أخرى إلى المولى ليسلم له مكان العبد ثم يقال للمولى : ادفع مثل الوديعة إلى الغاصب أو افدها بقيمة العبد لأن العبد بالضمان صار مملوكا للغاصب .

وجناية الأمة الوديعة على عبد المودع معتبرة فيخير مولاها بين الدفع أو الفداء ولو كان العبد هو الذي قتل الأمة مع قتله الحر فاختار المولى الدفع قسم العبد على دية القتيل وقيمة الأمة في قول أبي حنيفة فيأخذ أولياء القتيل من ذلك ما أصاب الدية ويأخذ المولى ما أصاب قيمة الأمة ويضمن له الغائب تمام قيمة الأمة ويرجع المولى على الغاصب من قيمة العبد بمثل ما أخذ أولياء القتيل لأن العبد المغصوب جنى على أمة المغصوب منه ومن أصل أبي حنيفة أن جنايته على المغصوب منه وعلى ماله معتبرة فأما على قول أبي يوسف ومحمد لا يضرب المولى بشيء من قيمة أمته في العبد ; لأن عندهما جناية المغصوب على مال المغصوب منه هدر وكون الأمة أمانة للمغصوب منه في يد الغاصب ككونها في يد المغصوب منه فإنما يدفع المولى العبد كله إلى أولياء الجناية ويرجع بقيمته على الغاصب .

قال : ولو غصب فإنما يدفع المولى العبد كله إلى أولياء الحر ثم يرجع بها على الغاصب فيكون له ثم يقول : ادفع الولد إلى الغاصب أو افده بقيمة الأمة ; لأن الولد كان أمانة [ ص: 61 ] للمغصوب منه في يده وقد ملك الأمة بالضمان وقد بينا أن جناية الأمانة على مال الأمين معتبرة فيخير المولى بين الدفع أو الفداء لذلك قال : ولو غصب رجلان عبدا فقتل في يدهما قتيلا ثم قتل أحدهما قيل للمولى : ادفعه إلى أولياء القتيلين نصفين فمن قال من أصحابنا رحمهم الله أن على قول أبي حنيفة رحمه الله جناية المغصوب على الغاصب معتبرة وإنما لا يعتبر جنايته على مال الغاصب بما يستدل به في هذه المسألة فإنه جعل جنايته على أحد الغاصبين كجنايته على الأجنبي حيث قال : العبد بينهما نصفان ومن يقول : جنايته على الغاصب هدر عنده يقول : هذا الجواب قولهما فأما في قياس قول أبي حنيفة ينبغي أن يسلم ثلاثة أرباع العبد للأجنبي وربعه لولي الغاصب المقتول لأن الجناية عليه إنما تعتبر من النصف الذي هو غير مضمون عليه أما من النصف الذي هو مضمون عليه لا تعتبر عنده لأن ضمان الغصب بمنزلة الملك فهو كجناية العبد المشترك على أحد الشريكين خطأ ثم إذا دفع العبد إلى أولياء القتيلين رجع على الغاصبين بقيمته لأن الرد لم يسلم فيدفع نصفها إلى ولي قتيل الأول لأنه استحق جميع العبد فارغا ولم يسلم له إلا النصف وقد فات النصف الآخر وأخلف بدلا ثم يرجع به على الغاصب الأول يعني الحي منهما وفي مال الغاصب المقتول ; لأن ذلك استحق بيده بجناية كانت عندهما فيكون ذلك له ولا يرجع فيها واحد من الغاصبين بشيء لأن حق الغاصب المقتول ما يثبت إلا في نصف العبد فإنه جنى عليه وهو مشغول بالجناية الأولى وقد سلموا له نصفه والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية