الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما إطلاق لفظ الدعاء على الثناء وذكر الله فلوجوه :

أحدها : أن المثني يتعرض لرحمة الله من جلب المنفعة ودفع المضرة ، فصار سائلا بحاله وإن كان مثنيا بقاله . وهذا جواب سفيان بن عيينة ، واستشهد بحديث مالك بن الحويرث وشعر أمية بن أبي [ ص: 14 ] الصلت .

وتحقيق ذلك أن الثناء المتضمن لمعرفة المسؤول وجوده ورحمته ، يورث اللجأ إليه والافتقار إليه والرغبة إليه ، أعظم بكثير مما يوجبه مجرد السؤال الخالي عن تلك المعرفة والحال . وهكذا الأمر من جانب المعطي ، فإن معرفته بحال المعطى وصفات استحقاقه توجب إعطاءه أعظم مما يكون بمجرد السؤال باللسان . ولهذا يكون إظهار الفاقة والفقر إلى الله والحاجة والضرورة فقط أبلغ من سؤال شيء معين .

فهذا في إخبار العبد بحال نفسه وإقراره بذلك واعترافه نظير إخباره بصفات ربه وثنائه عليه ومدحه له ، وكلاهما خبر يتضمن الطلب . وهذا نوع واسع من الكلام ، وهو الخبر المتضمن للطلب ، كما أن الطلب يتضمن الخبر .

وهذا الوجه يتضمن وجهين :

أحدهما : أن الثناء والإخبار كله لفظه لفظ الخبر ومعناه الطلب والسؤال حقيقة عرفية ، كما يقول الابن لأبيه : أنا جائع ، ويقول السائل [ ص: 15 ] للمسؤول : وما يفعلوا من خير فلن يكفروه [آل عمران :115] ، كما قد قيل : إن لفظ الخبر يكون أمرا ، وهو كثير .

الثاني : أن المثني بنفس ثنائه سائل بحاله ، فهو جامع بين الثناء القولي والسؤال الحالي ، فهو يقصد الثناء والطلب ، بخلاف الأول فقصده الطلب فقط بلفظ الثناء .

الوجه الثالث : أن الدعاء يراد به دعاء العبادة ودعاء المسألة ، كما قد قررته في غير هذا الموضع وبسطته . فالمثني والذاكر داع دعاء الصلاة وإن لم يكن سائلا ، ثم يعطى أفضل مما يعطاه غيره .

فالناطق بلفظ الثناء والذكر له ثلاثة أحوال : إما أن يقصد المسألة فقط ، وإما أن يقصد الله فقط ، وإما أن يقصدهما . ثم إنه وإن قصد أحدهما فلا بد أن يحصل الآخر ، كما أن السائل بلفظ السؤال لا بد أن يحصل له أيضا تعظيم القلب ومعرفته وخشوعه ، لكن الذي قصد الله وعبده جعل ما سواه وسيلة إليه ، والذي لا يريد إلا قضاء حاجته جعل الله وسيلة إلى مقصوده ، وهو عابد لله ، حيث علم أن الله هو النافع والضار ، لا إله غيره ولا رب سواه .

التالي السابق


الخدمات العلمية