الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعه نساء بني إسرائيل قال يحيى بن سعيد فقلت لعمرة أو منع نساء بني إسرائيل المساجد قالت نعم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          467 469 - ( مالك ، عن يحيى بن سعيد ) الأنصاري ( عن عمرة ) بفتح العين وسكون الميم ( بنت عبد الرحمن ) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية ماتت قبل المائة أو بعدها ( عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت : لو أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء ) من الطيب والتجمل وقلة التستر وتسرع كثير منهن إلى المناكر ( لمنعهن المساجد ) وفي رواية : المسجد بالإفراد ( كما منعه ) بضم الميم وكسر النون وفتح العين ثم هاء ضمير عائد إلى المساجد ، وذكره باعتبار الموضع ، وعلى إفراد المسجد فهو ظاهر ، وفي رواية كما منعت ( نساء بني إسرائيل ) يعقوب بن إسحاق ( قال يحيى بن سعيد : فقلت لعمرة أو ) بفتح الهمزة والواو ( منع نساء بني إسرائيل المساجد ؟ قالت : نعم ) منعن منها بعد الإباحة للإحداث . قال الحافظ : يحتمل أن عمرة تلقت ذلك عن عائشة ، ويحتمل عن غيرها ، وقد ثبت ذلك من حديث عروة ، عن عائشة قالت : " كن نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلا من خشب يتشوفن للرجال في المساجد ، فحرم الله عليهن المساجد " أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح .

                                                                                                          وهذا [ ص: 676 ] وإن كان موقوفا فحكمه الرفع ؛ لأنه لا يقال بالرأي .

                                                                                                          وروى أيضا عبد الرزاق نحوه ، عن ابن مسعود بإسناد صحيح قال : وتمسك بعضهم بقول عائشة : " لو رأى . . . . إلخ " في منع النساء مطلقا وفيه نظر ؛ إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم ، لأنها علقته على شرط لم يوجد بناء على ظن ظنه ، فقالت : لو رأى لمنع ، فيقال عليه : لم ير ولم يمنع فاستمر الحكم ، حتى أن عائشة لم تصرح بالمنع ، وإن كان كلامها يشعر بأنها ترى المنع ، وأيضا فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن فما أوحى إلى نبيه بمنعهن ، ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى ، وأيضا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن ، فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثن ، والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لإشارته - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بمنع التطيب والزينة ، وكذلك التقييد بالليل على رواية من روى : " إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن " ورواية الأكثر بدون الليل .

                                                                                                          واستنبط من قول عائشة أيضا : أنه يحدث للناس فتاوى بقدر ما أحدثوا كما قال مالك ، وليس هذا من التمسك بالمصالح المباينة للشرع كما توهمه بعضهم ، وإنما مراده كمراد عائشة أن يحدثوا أمرا تقتضي أصول الشريعة فيه غير ما اقتضته قبل حدوث ذلك الأمر ، ولا غرو في تبعية الأحكام للأحوال ، وروى البخاري أثر عائشة هذا ، عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك به ، ورواه مسلم وغيره ، والله أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية