الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب التفريق بين المتلاعنين

                                                                                                                                                                                                        5007 حدثني إبراهيم بن المنذر حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين رجل وامرأة قذفها وأحلفهما [ ص: 369 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 369 ] قوله ( باب التفريق بين المتلاعنين ) ثبتت هذه الترجمة للمستملي ، وذكرها الإسماعيلي ، وثبت عند النسفي " باب " بلا ترجمة ، وسقط ذلك للباقين ، والأول أنسب ، وفيه حديث ابن عمر من طريق عبيد الله بن عمر العمري عن نافع من وجهين ، ولفظ الأول " فرق بين رجل وامرأة قذفها فأحلفهما " ولفظ الثاني " لاعن بين رجل وامرأة فأحلفهما " ويؤخذ منه أن إطلاق يحيى بن معين وغيره تخطئة الرواية بلفظ " فرق بين المتلاعنين " إنما المراد به في حديث سهل بن سعد بخصوصه ، فقد أخرجه أبو داود من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عنه بهذا اللفظ وقال بعده " لم يتابع ابن عيينة على ذلك أحد " ثم أخرج من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر " فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان " قال ابن عبد البر : لعل ابن عيينة دخل عليه حديث في حديث . وذكر ابن أبي خيثمة أن يحيى بن معين سئل عن الحديث فقال : إنه غلط .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن عبد البر : إن أراد من حديث سهل فسهل ، وإلا فهو مردود . قلت : تقدم أيضا في حديث سهل من طريق ابن جريج " فكانت سنة في المتلاعنين لا يجتمعان أبدا " ولكن ظاهر سياقه أنه من كلام الزهري فيكون مرسلا ، وقد بينت من وصله وأرسله في " باب اللعان ومن طلق " ، وعلى تقدير ذلك فقد ثبت هذا اللفظ من هذا الوجه فتمسك به من قال إن الفرقة بين المتلاعنين لا تقع بنفس اللعان حتى يوقعها الحاكم ، ورواية ابن جريج المذكورة تؤيد أن الفرقة تقع بنفس اللعان ، وعلى تقدير إرسالها فقد جاء عن ابن عمر بلفظه عند الدارقطني ، ويتأيد بذلك قول من حمل التفريق في حديث الباب على أنه بيان حكم لا إيقاع فرقة ، واحتجوا أيضا بقوله في الرواية الأخرى " لا سبيل لك عليها " وتعقب بأن ذلك وقع جوابا لسؤال الرجل عن ماله الذي أخذته منه ، وأجيب بأن العبرة بعموم اللفظ وهو نكرة في سياق النفي فيشمل المال والبدن ، ويقتضي نفي تسليطه عليها بوجه من الوجوه . ووقع في آخر حديث ابن عباس عند أبي داود " وقضى أن ليس عليه نفقة ولا سكنى من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها " وهو ظاهر في أن الفرقة وقعت بينهما بنفس اللعان ، ويستفاد منه أن قوله في حديث سهل " فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها " أن الرجل إنما طلقها قبل أن يعلم أن الفرقة تقع بنفس اللعان فبادر إلى تطليقها لشدة نفرته منها .

                                                                                                                                                                                                        واستدل بقوله " لا يجتمعان أبدا " على أن فرقة اللعان على التأبيد " وأن الملاعن لو أكذب نفسه لم يحل له أن يتزوجها بعد ، وقال بعضهم : يجوز له أن يتزوجها ، وإنما يقع باللعان طلقة واحدة بائنة ، هذا قول حماد وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن ، وصح عن سعيد بن المسيب ، قالوا : ويكون الملاعن إذا أكذب نفسه خاطبا من الخطاب ، وعن الشعبي والضحاك : إذا أكذب نفسه ردت إليه امرأته . قال ابن عبد البر : هذا عندي قول ثالث . قلت : ويحتمل أن يكون معنى قوله " ردت إليه " أي بعد العقد الجديد فيوافق الذي قبله ، قال ابن السمعاني : لم أقف على دليل لتأبيد الفرقة من حيث النظر ، وإنما المتبع في ذلك النص ، وقال ابن عبد البر أبدى بعض أصحابنا له فائدة وهو أن لا يجتمع ملعون مع غير ملعون ، لأن أحدهما ملعون في الجملة بخلاف ما إذا تزوجت المرأة غير الملاعن فإنه لا يتحقق ، وتعقب بأنه لو كان كذلك لامتنع عليهما معا التزويج لأنه يتحقق أن أحدهما ملعون ، ويمكن أن يجاب بأن في هذه الصورة افترقا في الجملة . قال السمعاني : وقد أورد بعض الحنفية أن قوله " المتلاعنان " يقتضي أن فرقة التأبيد يشترط لها أن يقع التلاعن من الزوجين ، والشافعية يكتفون في التأبيد بلعان الزوج فقط كما تقدم ، وأجاب بأنه لما كان لعانه بسبب لعانها وصريح لفظ اللعن يوجد في جانبه دونها سمي الموجود منه ملاعنة ، ولأن لعانه سبب في [ ص: 370 ] إثبات الزنا عليها فيستلزم انتفاء نسب الولدية فينتفي الفراش فإذا انتفى الفراش انقطع النكاح ، فإن قيل إذا أكذب الملاعن نفسه يلزم ارتفاع الملاعنة حكما وإذا ارتفعت صارت المرأة محل استمتاع ، قلنا : اللعان عندكم شهادة ، والشاهد إذا رجع بعد الحكم لم يرتفع الحكم ، وأما عندنا فهو يمين واليمين إذا صارت حجة وتعلق بها الحكم لا ترتفع ، فإذا أكذب نفسه فقد زعم أنه لم يوجد منه ما يسقط الحد عنه فيجب عليه الحد ولا يرتفع موجب اللعان .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية