الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب (49) جنات عدن مفتحة لهم الأبواب (50) متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب (51) وعندهم قاصرات الطرف أتراب (52) هذا ما توعدون ليوم الحساب (53) إن هذا لرزقنا ما له من نفاد (54) هذا وإن للطاغين لشر مآب (55) جهنم يصلونها فبئس المهاد (56) هذا فليذوقوه حميم وغساق (57) وآخر من شكله أزواج (58) هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالو النار (59) قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار (60) قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار (61) وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار (62) أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار (63) إن ذلك لحق تخاصم أهل النار (64)

                                                                                                                                                                                                                                      كانت الجولة الماضية حياة وذكرى مع المختارين من عباد الله. مع الابتلاء والصبر. والرحمة والإفضال.

                                                                                                                                                                                                                                      كان هذا ذكرا لتلك الحيوات الرفيعة في الأرض وفي هذه الدنيا.. ثم يتابع السياق خطاه مع عباد الله المتقين، ومع المكذبين الطاغين إلى العالم الآخر وفي الحياة الباقية.. يتابعه في مشهد من مشاهد القيامة نستعير لعرضه صفحات من كتاب مشاهد القيامة في القرآن مع تصرف قليل:

                                                                                                                                                                                                                                      يبدأ المشهد بمنظرين متقابلين تمام التقابل في المجموع وفي الأجزاء، وفي السمات والهيئات: منظر " المتقين " لهم لحسن مآب . ومنظر " الطاغين " لهم لشر مآب . فأما الأولون فلهم جنات عدن مفتحة لهم الأبواب. ولهم فيها راحة الاتكاء، ومتعة الطعام والشراب. ولهم كذلك متعة الحوريات الشواب. وهن مع شبابهنقاصرات الطرف لا يتطلعن ولا يمددن بأبصارهن. وكلهن شواب أتراب. وهو متاع دائم ورزق من عند الله ما له من نفاد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الآخرون فلهم مهاد. ولكن لا راحة فيه. إنه جهنم فبئس المهاد ! ولهم فيه شراب ساخن وطعام [ ص: 3024 ] مقيئ. إنه ما يغسق ويسيل من أهل النار! أو لهم صنوف أخرى من جنس هذا العذاب. يعبر عنها بأنها أزواج !

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يتم المشهد بمنظر ثالث حي شاخص بما فيه من حوار: فها هي ذي جماعة من أولئك الطاغين من أهل جهنم. كانت في الدنيا متوادة متحابة. فهي اليوم متناكرة متنابذة كان بعضهم يملي لبعض في الضلال. وكان بعضهم يتعالى على المؤمنين، ويهزأ من دعوتهم ودعواهم في النعيم. كما يصنع الملأ من قريش وهم يقولون:

                                                                                                                                                                                                                                      أأنزل عليه الذكر من بيننا؟ ..

                                                                                                                                                                                                                                      ها هم أولاء يقتحمون النار فوجا بعد فوج وها هم أولاء يقول بعضهم لبعض: هذا فوج مقتحم معكم .. فماذا يكون الجواب؟ يكون الجواب في اندفاع وحنق: " لا مرحبا بهم إنهم صالو النار " ! فهل يسكت المشتومون؟ كلا! إنهم يردون: قالوا: بل أنتم لا مرحبا بكم. أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار! .. فلقد كنتم أنتم السبب في هذا العذاب. وإذا دعوة فيها الحنق والضيق والانتقام: قالوا: ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار !

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ماذا؟ ثم ها هم أولاء يفتقدون المؤمنين، الذين كانوا يتعالون عليهم في الدنيا، ويظنون بهم شرا، ويسخرون من دعواهم في النعيم. ها هم أولاء يفتقدونهم فلا يرونهم معهم مقتحمين في النار، فيتساءلون: أين هم؟ أين ذهبوا؟ أم تراهم هنا ولكن زاغت عنهم أبصارنا؟: وقالوا: ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا ؟ أم زاغت عنهم الأبصار؟ .. بينما هؤلاء الرجال الذين يتساءلون عنهم هناك في الجنان!

                                                                                                                                                                                                                                      ويختم المشهد بتقرير واقع أهل النار:

                                                                                                                                                                                                                                      إن ذلك لحق تخاصم أهل النار !!

                                                                                                                                                                                                                                      فما أبعد مصيرهم عن مصير المتقين. الذين كانوا يسخرون منهم، ويستكثرون اختيار الله لهم. وما أبأس نصيبهم الذي كانوا يستعجلون به وهم يقولون: ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب !

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية