الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4919 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " خلق الله الخلق ، فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقوي الرحمن فقال : مه ، قالت : هذا مقام العائذ بك من القطعية . قال : " ألا ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى يا رب ! قال : فذاك " . متفق عليه .

التالي السابق


4919 - ( وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : خلق الله الخلق ) أي : قدر المخلوقات في العلم السابق على ما هو عليه وقت وجودهم ، ( فلما فرغ منه ) أي : لما صح ذلك ووقع ما هنالك . قال التوربشتي أي : قضاه وأتمه ، أو نحو ذلك مما يشهد بأنه مجاز القول ، فإنه سبحانه وتعالى لا يشغله شأن عن شأن حتى يطلق عليه الفراغ الذي هو ضد الشغل . ( قامت الرحم ) أي : قيام صورة مصورة أو معنوية مقدرة ( فأخذت بحقوي الرحمن ) أي : بكتفي رحمته العامة والخاصة ، والحقو بفتح الحاء وسكون القاف الإزار والخصر ، ومعقد الإزار في اللغة ، والمراد به هنا والله أعلم الاستعارة عن الاستغاثة والاستعانة ، كما يقال : أخذت بذيل الملك حتى أنصفني ، وتوضيحه أنه لما كان من شأن المستجير أن يستمسك بحقوي المستجار به ، وهما جنباه الأيمن والأيسر استعار الأخذ بالحقوين في اللياذ بالشيء . تقول العرب : عذت بحقو فلان أي : استجرت واعتصمت به .

والحاصل أن الرحم استعاذت بلسان المقال ، أو بيان الحال ، والتجأت وعاذت بعزة الله وعظمته من أن يقطعها أحد ، ووجه تخصيص الرحمن لا يخفى من مناسبة المبنى والمعنى ، ولا يبعد أن يقال : التقدير بحقوي عرش الرحمن أي : بطرفيه ، أو أطراف ذيله مترددة من جانب إلى جانب ، كما يدل عليه حديث عائشة الآتي : الرحم معلقة بالعرش . ( فقال : مه ) بفتح ميم وسكون هاء اسم فعل أي : اكففي وامتنعي عن هذا الالتجاء ، فإن حاجتك مقضية ، والأظهر أن يكون استفهاما وقلبت الألف هاء ، ويمكن حذف ألف الاستفهام ، ثم إتيان هاء السكت ، والمعنى ما يقول ، والمراد منه الأمر بإظهار الحاجة ليعلم الاعتناء بها لا الاستعلام ، فإنه يعلم السر وأخفى . ( قالت : هذا ) أي : مقامي هذا ( مقام العائذ ) أي : المستعيذ بك ( من القطيعة ) أي : قطيعتي ، والمعنى : أن سبب عياذي وباعث لياذي بذيل رحمتك التي وسعت كل شيء أن يقطعني أحد ، فيقع في غضبك وسخطك ( قال ألا ترضين ) بفتح الضاد أي : ألا تحبين ( أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى يا رب ) أي : أرضى بذلك ، فإنك الرب تربي من تشاء بما تشاء وتعطي من تشاء ما تشاء . ( قال : فذاك ) . بكسر الكاف مبتدأ وخبره محذوف أي : لك ، والمعنى : أفعل ما قلت من الوصل والقطع .

قال النووي : الرحم التي توصل وتقطع إنما هي معنى من المعاني ، والمعاني لا يتأتى منها القيام ولا الكلام ، فيكون المراد تعظيم شأنها وفضيلة واصلها وعظم إثم قاطعها ، ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة ، وقطيعتها معصية كبيرة ، وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض ، وأدناها ترك المهاجرة ، وصلتها بالكلام ولو بالسلام ، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة ، فمنها واجب ، ومنها مستحب ، ولو وصل بعض الصلة و لم يصل غايتها ولا يسمى قاطعا ، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلا ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية