الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( وأما المد للساكن العارض ) ويقال له أيضا : الجائز والعارض ، فإن لأهل الأداء من أئمة القراء فيه ثلاث مذاهب : ( الأول ) الإشباع كاللازم لاجتماع الساكنين اعتدادا بالعارض . قال الداني : وهو مذهب القدماء من مشيخة المصريين ، قال : وبذلك كنت أقف على الخافقاني يعني خلف بن إبراهيم بن محمد المصري .

                                                          ( قلت ) : وهو اختيار الشاطبي لجميع القراء ، وأحد الوجهين في " الكافي " ، واختار بعضهم لأصحاب التحقيق كحمزة وورش والأخفش ، عن ابن ذكوان من طريق العراقيين ، ومن نحا نحوهم من أصحاب عاصم وغيره ( الثاني ) التوسط لمراعاة اجتماع الساكنين وملاحظة كونه عارضا . وهو مذهب أبي بكر بن مجاهد وأصحابه ، واختيار أبي بكر الشذائي ، والأهوازي وابن شيطا والشاطبي أيضا ، والداني ، قال : وبذلك كنت أقف على أبي الحسن وأبي الفتح وأبي القاسم - يعني عبد العزيز بن جعفر بن خواستي الفارسي ، قال : وبه حدثني الحسين بن شاكر ، عن أحمد بن نصر - يعني الشذائي ، قال : وهو اختياره . قال : وعلى ذلك ابن مجاهد وعامة أصحابه .

                                                          ( قلت ) : هو الذي في " التبصرة " ، واختاره بعضهم لأصحاب التوسط وتدوير القراءة كالكسائي وخلف في اختياره ، وابن عامر في مشهور طرقه ، وعاصم في عامة رواياته ( الثالث ) القصر ; لأن السكون عارض فلا يعتد به ، ولأن الجمع بين الساكنين مما يختص بالوقف نحو : ( القدر ) ( والفجر ) . وهو مذهب أبي الحسن علي بن عبد الغني الحصري ، قال في قصيدته :

                                                          وإن يتطرق عند وقفك ساكن فقف دون مد ذاك رأيي بلا فخر [ ص: 336 ]     فجمعك بين الساكنين يجوز إن
                                                          وقفت وهذا من كلامهم الحر

                                                          وهو اختيار أبي إسحاق الجعبري وغيره ، والوجه الثاني في " الكافي " . وقد كره ذلك الأهوازي وقال : رأيت من الشيوخ من يكره المد في ذلك ، فإذا طالبته في اللفظ قال في الوقف بأدنى تمكين من اللفظ ، بخلاف ما يعبر به ، وكذلك لم يرفضه الشاطبي ، واختاره بعضهم لأصحاب الحدر والتخفيف ممن قصر المنفصل كأبي جعفر وأبي عمرو ، ويعقوب ، وقالون . قال الداني : وكنت أرى أبا علي شيخنا يأخذ به في مذاهبهم ، وحدثني به عن أحمد بن نصر .

                                                          ( قلت ) : الصحيح جواز كل من الثلاثة لجميع القراء ؛ لعموم قاعدة الاعتداد بالعارض وعدمه عن الجميع إلا عند من أثبت تفاوت المراتب في اللازم ، فإنه يجوز فيه لكل ذي مرتبة في اللازم تلك المرتبة وما دونها ؛ للقاعدة المذكورة . ولا يجوز ما فوقها بحال كما سيأتي إيضاحه آخر الباب ، والله أعلم .

                                                          وبعضهم فرق بين عروض سكون الوقف وبين عروض سكون الإدغام الكبير لأبي عمرو ، فأجرى الثلاثة له في الوقف ، وخص الإدغام بالمد وألحقه باللازم كما فعل أبو شامة في باب المد ، والصواب أن سكون إدغام أبي عمرو عارض كالسكون في الوقف ، والدليل على ذلك إجراء أحكام الوقف عليه من الإسكان والروم والإشمام كما تقدم . قال الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبري : ولأبي عمرو في الإدغام إذا كان قبله حرف مد ثلاثة أوجه : القصر والتوسط والمد كالوقف ، ثم مثله ، وقال : نص عليها أبو العلاء . قال : والمفهوم من عبارة الناظم - يعني الشاطبي - في باب المد .

                                                          ( قلت ) : أما ما وقفت عليه من كلام أبي العلاء فتقدم آخر باب الإدغام الكبير ، وأما الشاطبي فنصه على كون الإدغام عارضا ، وقد يفهم منه المد وغيره على أن الشاطبي لم يذكر في كل ساكن الوقف قصرا ، بل ذكر الوجهين ، وهما الطول والتوسط ، كما نص السخاوي في شرحه ، وهو أخبر بكلام شيخه ومراده ، وهو الصواب في شرح كلامه ؛ لقوله بعد ذلك : وفي عين الوجهين ، فإنه يريد الوجهين المتقدمين من الطول والتوسط ، بدليل قوله : [ ص: 337 ] والطول فضلا . ولو أراد القصر لقال : والمد فضل . فمقتضى اختيار الشاطبي عدم القصر في سكون الوقف ، فكذلك سكون الإدغام الكبير عنده ؛ إذ لا فرق بينهما عند من روى الإشارة في الإدغام ; ولذلك كان ( والصافات صفا ) لحمزة ملحقا باللازم كما تقدم في أمثلتنا ، فلا يجوز له فيه إلا ما يجوز في ( دابة ) و ( الحاقة ) ، ولذلك لم يجز له في الروم كما نصوا عليه . فلا فرق حينئذ بينه وبين ( أتمدونني ) له وليعقوب كما لا فرق لهما بينه وبين ( لام ) من ( الم ) ، وكذلك حكم إدغام ( أنساب بينهم ) ونحوه لرويس ، و ( أتعداني ) لهشام ونحو ذلك من ( أتأمروني ) وتاءات البزي وغيره . أما أبو عمرو ، فإن من روى الإشارة عنه في الإدغام الكبير كصاحب " التيسير " و " الشاطبية " والجمهور ، فإنه لا فرق بينه وبين الوقف ، ومهما كان مذهبه في الوقف فكذلك في الإدغام ، إن مدا فمد ، وإن قصرا فقصر ، وكذاك لم نر أحدا منهم نص على المد في الإدغام إلا ويرى المد في الوقف كأبي العز ، وسبط الخياط وأبي الفضل الرازي ، والجاجاني ، وغيرهم ، ولا نعلم أحدا منهم ذكر المد في الإدغام وهو يرى القصر في الوقف ، وأما من يرى الإشارة في الإدغام فيحتمل أن يلحقه باللازم ؛ لجريه مجراه لفظا ، ويحتمل أن يفرق بينهما من حيث إن هذا جائز وذاك واجب ، فألحقه به ، وكان ممن يرى التفاوت في مراتب اللازم كابن مهران وصاحب " التجريد " أخذ له فيه بمرتبته في اللازم ، وهو الدنيا قولا واحدا ، وإن كان ممن لا يرى التفاوت فيه كالهذلي أخذ له بالعليا ؛ إذ لا فرق بينه وبين غيره في ذلك ; ولذلك نص الهذلي في الإدغام على المد فقط ، ولم يلحقه باللازم ، بل أجراه مجرى الوقف ، والحكم فيه ما تقدم ، والله أعلم . والأوجه في ذلك أوجه اختيار لا أوجه اختلاف ، فبأي وجه قرأ أجزأ ، والله أعلم .

                                                          ( قلت ) : والاختيار هو الأول أخذا بالمشهور ، وعملا بما عليه الجمهور ؛ طردا للقياس وموافقة لأكثر الناس .

                                                          ( فإن قيل ) لم ثبت حرف المد من الصلة وغيرها مع لقائه الساكن المدغم في [ ص: 338 ] تاءات البزي وغيرها حتى احتيج في ذلك إلى زيادة المد لالتقاء الساكنين ، وهلا حذف حرف المد في نحو ( ومنهم الذين ) ، و ( يعلمه الله ) ، ( ولا الذين ) .

                                                          ( فالجواب ) أن الإدغام في ذلك طارئ على حرف المد ، فلم يحذف لأجله ، فهو مثل إدغام ( دابة ) و ( الصاخة ) فلم يحذف حرف المد خوفا من الإجحاف باجتماع إدغام طارئ وحذف ، وأما إدغام اللام في ( الذين ) و ( الدار ) ونحوه فأصل لازم ، وليس بطارئ على حرف المد ، فإنه كذلك أبدا - كان قبله حرف مد أو لم يكن ، فحذف حرف المد للساكن طردا للقاعدة فلم يقرأ ( ومنهم الذين ) كما لم يثبت حرف المد في نحو ( قالوا اطيرنا ) ، و ( ادخلا النار ) وإلى هذا أشار الداني حيث قال في " جامع البيان " : وإذا وقع قبل التاء المشددة حرف مد ولين - ألف أو واو - نحو ( " ولا تيمموا " ، و " عنه تلهى " ) وشبههما أثبت في اللفظ ؛ لكون التشديد عارضا ، فلم يعتد به في حذفه ، وزيد في تمكينه ليتميز بذلك الساكنان أحدهما من الآخر ولا يلتقيا ، وكذلك الحكم في ( اثنا عشر ) في قراءة من سكن العين . نص أيضا على ذلك في " الجامع " .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية