الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( كتاب السير ) [ ص: 211 ] جمع سيرة وهي الطريقة ، والمقصود منها هنا أصالة الجهاد ، وإن جزم الزركشي بأن وجوبه وجوب الوسائل لا المقاصد ؛ إذ المقصود منه الهداية ، ومن ثم لو أمكنت بإقامة الدليل كانت أولى منه ، وقوله : الهداية لا يرد عليه أنهم لو بذلوا الجزية لزم قبولها ؛ لأن هذا خاص بمن يقبل منه على أن هدايتهم لا سيما على العموم بمجرد إقامة الدليل نادرة جدا ، بل محال عادة فلم ينظروا إليها وكأن الجهاد مقصود لا وسيلة ، كما هو ظاهر كلامهم وترجمه بذلك لاشتماله على الجهاد ، وما يتعلق به الملتقى تفصيل أحكامه من سيرته صلى الله عليه وسلم في غزواته .

                                                                                                                              وهي سبع وعشرون غزوة قاتل في ثمان منها بنفسه : بدر وأحد والمريسيع والخندق وقريظة وخيبر وحنين والطائف ، وبعث صلى الله عليه وسلم سبعا وأربعين سرية ، وهي : من مائة إلى خمسمائة فما زاد منسر بنون فسين مهملة إلى ثمانمائة ، فما زاد جيش إلى أربعة آلاف ، فما زاد جحفل ، والخميس الجيش العظيم وفرقة السرية سمي بعثا ، والكتيبة ما اجتمع ولم ينتشر وكان أول بعوثه صلى الله عليه وسلم على رأس سبعة أشهر في رمضان ، وقيل : في شهر ربيع الأول سنة ثنتين من الهجرة . والأصل فيه الآيات الكثيرة والأحاديث الصحيحة الشهيرة ، وأخذ منها ابن أبي عصرون أنه أفضل الأعمال بعد الإيمان ، واختاره الأذرعي وذكر أحاديث صحيحة مصرحة بذلك أولها الأكثرون بحملها على خصوص السائل أو المخاطب أو الزمن . ( كان الجهاد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) [ ص: 212 ] قبل الهجرة ممتنعا ؛ لأن الذي أمر به صلى الله عليه وسلم أول الأمر هو التبليغ والإنذار والصبر على أذى الكفار تألفا لهم ، ثم بعدها أذن الله تعالى للمسلمين في القتال بعد أن نهى عنه في نيف وسبعين آية إذا ابتدأهم الكفار به فقال : { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم . } وصح عن الزهري أول آية نزلت في الإذن فيه { : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } أي : أذن لهم في القتال بدليل يقاتلون ، ثم أباح الابتداء به في غير الأشهر الحرم بقوله : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } الآية . ثم في السنة الثامنة بعد الفتح أمر به على الإطلاق بقوله { انفروا خفافا وثقالا } { وقاتلوا المشركين كافة } ، وهذه هي آية السيف ، وقيل : التي قبلها ، وقيل : هما إذا تقرر ذلك فهو من حين الهجرة كان ( فرض كفاية ) ، لكن على التفصيل المذكور إجماعا بالنسبة لفرضيته ؛ ولأنه تعالى فاضل بين المجاهدين والقاعدين ، ووعد كلا الحسنى بقوله { : لا يستوي القاعدون } الآية ، والعاصي لا يوعد بها ولا يفاضل بين مأجور ومأزور ( تنبيه )

                                                                                                                              ما حملت عليه إطلاقه هو الوجه الذي دل عليه النقل ، وأما ما اقتضاه صنيع شيخنا في شرح منهجه أنه من حين الهجرة كان يجب كل سنة فبعيد مخالف لكلامهم ، ( وقيل : فرض عين ) لقوله تعالى { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما } ، والقاعدون في الآية كانوا حراسا ، وردوه بأن ذلك الوعيد لمن عينه صلى الله عليه وسلم لتعين الإجابة حينئذ أو عند قلة المسلمين ، وبأنه لو تعين مطلقا لتعطل المعاش

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( كتاب السير ) [ ص: 211 ] قوله : نادرة جدا إلخ ) هذا لا ينافي قول الزركشي لو أمكنت كما لا يخفى ، وقوله : فلم ينظروا إليها إن أراده مطلقا فممنوع أو باعتبار الدليل لم يضر ، وقوله : وكان الجهاد مقصودا إلخ هذا لا يتفرع على العادة المذكورة إذ لا يلزم من استحالة الهداية على العموم بالدليل كونها مقصودة في الجهاد فليتأمل ، واعلم أن كون المقصود منها هنا [ ص: 212 ] الجهاد لا ينافي وجوبه وجوب الوسائل كما لا يخفى . ( قوله : لكن على التفصيل المذكور ) أي : بقوله السابق ثم [ ص: 213 ] بعدها أذن الله تعالى للمسلمين إلخ



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( كتاب السير ) [ ص: 211 ] بكسر السين وفتح المثناة التحتية ا هـ . مغني . ( قوله : جمع سيرة ) إلى قوله : وإن جزم في النهاية . ( قوله : وهي ) أي : لغة ا هـ . ع ش . ( قوله : والمقصود إلخ ) عبارة المغني وغرضه من الترجمة ذكر الجهاد وأحكامه ا هـ . ( قوله : وإن جزم الزركشي بأن إلخ ) وافقه المغني . ( قوله : إذ المقصود منه الهداية ) أي : وما يتبعها من الشهادة أما قتل الكفار فليس بمقصود ا هـ . مغني . ( قوله : وقوله : ) أي : الزركشي . ( قوله : قبولها ) أي : الجزية . ( قوله : لأن هذا ) أي : لزوم القبول . ( قوله : بمن تقبل منه ) احتراز عن عابد نحو وثن وأصحاب الطبائع وغيرهم مما يأتي في الجزية . ( قوله : على أن هدايتهم ) أي : الكفار . ( قوله : نادرة جدا إلخ ) هذا لا ينافي قول الزركشي لو أمكنت كما لا يخفى ا هـ . سم أي : لأن الشرطية لا تقتضي وجود المقدم ، بل في تعبيره بلو إشارة إلى امتناعه . ( قوله : فلم ينظروا إليها ) إن أراد مطلقا فممنوع أو باعتبار الدليل لم يضر ( وقوله : وكان الجهاد مقصودا إلخ ) هذا لا يتفرع على العلاوة المذكورة إذ لا يلزم من استحالة الهداية على العموم بالدليل كونها مقصودة من الجهاد فليتأمل . واعلم أن كون المقصود منها هنا الجهاد لا ينافي وجوبه وجوب الوسائل كما لا يخفى ا هـ . سم ، وقوله : كونها مقصودة إلخ لعل أصله عدم كونها إلخ ثم سقط لفظة عدم من قلم الناسخ . ( قوله : وترجمه بذلك إلخ ) أي : ترجم المصنف هذا الباب بالسير لا بالجهاد أو بقتال المشركين كما ترجم به بعضهم ؛ لأن الجهاد متلقى من سيره صلى الله عليه وسلم في غزواته ا هـ . مغني .

                                                                                                                              ( قوله : تفصيل أحكامه ) أي : الجهاد . ( قوله : من سيرته إلخ ) الأولى سيره بالجمع أي : من أحواله كما وقع له صلى الله عليه وسلم في بدر فإنه قتل وفدى ومن ضرب الرق على البعض ا هـ . بجيرمي من العزيزي . ( قوله : قاتل في ثمان منها إلخ ) عبارة المغني في تسع بنفسه كما حكاه الماوردي ا هـ . وكذا في ع ش عن شرح مسلم بزيادة الفتح على أن مكة فتحت عنوة في البجيرمي بعد ذكر كلام الشارح ما نصه فيه نظر لما في شرح المواهب عن ابن تيمية لا يعلم أنه قاتل في غزوة إلا في أحد ولم يقتل أحدا إلا أبي بن خلف فيها ا هـ . إلا أن يراد أن أصحابه قاتلوا بحضوره فنسب إليه القتال بخلاف غيرها فلم يقع فيه قتال منه فيها ولا منهم ا هـ . ( قوله : وهي ) أي : السرية من مائة إلى خمسمائة عبارة القاموس من خمسة أنفس إلى ثلثمائة أو أربعمائة ا هـ . وسيأتي في السير عن المغني والرشيدي ما يوافقه . ( قوله : فما زاد منسر إلخ ) عبارة القاموس والمنسر كمجلس ومنبر من الخيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين أو من الأربعين إلى الخمسين أو إلى الستين أو من المائة إلى المائتين وقطعة من الجيش تمر قدام الجيش الكثير ا هـ . ( قوله : جحفل ) كجعفر . ( قوله : الجيش العظيم ) ؛ لأنه خمس فرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة ا هـ . قاموس . ( قوله : على رأس سبعة أشهر ) أي : من الهجرة فيكون في السنة الأولى منها ؛ لأنها في ربيع الأول ا هـ . سيد عمر ولعله اطلع على نقل ورواية وإلا فظاهر السياق أن قول الشارح سنة ثنتين إلخ راجع إليه أيضا .

                                                                                                                              ( قوله : والأصل فيه إلخ ) عبارة المغني ، والأصل فيه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى { كتب عليكم القتال } { وقاتلوا المشركين كافة } { واقتلوهم حيث وجدتموهم } وأخبار كخبر الصحيحين { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله } وخبر مسلم { لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها } وقد جرت عادة الأصحاب تبعا للإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه أن يذكروا مقدمة في صدر هذا الكتاب فلنذكر نبذة منها على سبيل التبرك فنقول : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين في رمضان وهو ابن أربعين سنة وآمنت به خديجة رضي الله تعالى عنها ثم بعدها قيل : علي رضي الله تعالى عنه وهو ابن تسع وقيل : ابن عشر وقيل : أبو بكر وقيل : زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما ثم أمر بتبليغ قومه بعد ثلاث سنين من مبعثه ، وأول ما فرض الله تعالى عليه بعد الإنذار والدعاء إلى التوحيد من قيام الليل ما ذكر في أول سورة المزمل ثم نسخ بما في آخرها ثم نسخ بالصلوات الخمس إلى بيت المقدس ليلة الإسراء بمكة بعد النبوة بعشر سنين [ ص: 212 ] وثلاثة أشهر ليلة سبع وعشرين من رجب وقيل : بعد النبوة بخمس أو ست وقيل : غير ذلك ثم أمر باستقبال الكعبة ثم فرض الصوم بعد الهجرة بسنتين تقريبا ، وفرضت الزكاة بعد الصوم وقيل : قبله وقيل : في السنة الثانية قيل : في نصف شعبان وقيل : في رجب من الهجرة حولت القبلة وفيها فرضت صدقة الفطر وفيها ابتدأ صلى الله عليه وسلم صلاة عيد الفطر ثم عيد الأضحى ثم فرض الحج سنة ست { ولم يحج صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلا حجة الوداع سنة عشر واعتمر أربعا } ا هـ . ، وكذا في الروض مع شرحه إلا قوله : قد جرت إلى بعث إلخ ، وقوله : وفي السنة الثانية إلى ثم فرض إلخ .

                                                                                                                              ( قوله : قبل الهجرة ) إلى التنبيه في النهاية إلا قوله : وقيل : إلى المتن ، وكذا في المغني إلا قوله : بعد أن نهي عنه في نيف وسبعين آية إلخ . ( قوله : ثم بعدها أذن الله تعالى إلخ ) عبارة المغني ثم هاجر إلى المدينة بعد ثلاثة عشرة سنة من مبعثه في يوم الاثنين الثاني والعشرين من ربيع الأول فأقام بها عشرا بالإجماع ثم أمر به إذا ابتدءوا به إلخ . ( قوله : في نيف وسبعين إلخ ) متعلق بنهى ا هـ . ع ش . ( قوله : في غير الأشهر الحرم ) المراد بها المعروفة الآن لكنهم أبدلوا رجبا بشوال وكانوا تعاهدوا على عدم القتال فيها كما يعلم من كلام البيضاوي ا هـ . ع ش . ( قوله : على الإطلاق ) أي : من غير تقييد بشرط ولا زمان مغني وأسنى . ( قوله : وهذه ) أي : آية { وقاتلوا المشركين } إلخ ، وقوله : وقيل التي قبلها وهو قوله تعالى { انفروا خفافا وثقالا } ع ش . ( قوله : على التفصيل المذكور ) أي : بقوله السابق ثم بعدها أذن الله للمسلمين إلخ سم ورشيدي أي : من الأحوال الثلاثة . ( قوله : إجماعا إلخ ) عبارة المغني أما كونه فرضا فبالإجماع وأما كونه على الكفاية فلقوله تعالى { لا يستوي القاعدون } إلخ . ( قوله : ما حملت عليه ) أي : من التفصيل المذكور . ( قوله : وأما ما اقتضاه صنيع شيخنا إلخ ) صدر في شرح المنهج بالإطلاق ثم ذكر في الآخر التفصيل فينزل ذلك الإطلاق عليه بقرينة السياق ويسقط اعتراضه ا هـ . سيد عمر . ( قوله : لقوله تعالى ) إلى قوله : هذا ما صرح في النهاية .

                                                                                                                              ( قوله : والقاعدون إلخ ) عبارة المغني وقائله قال : كان القاعدون حراسا للمدينة وهو نوع من الجهاد ا هـ . ( قوله : وردوه بأن ذلك الوعيد لمن عينه إلخ ) وقال السهيلي : كان فرض عين على الأنصار دون غيرهم ؛ لأنهم بايعوا عليه قال شاعرهم

                                                                                                                              : نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا

                                                                                                                              ، وقد يكون الجهاد في عهده صلى الله عليه وسلم فرض عين بأن أحاط عدو بالمسلمين كالأحزاب من الكفار الذين تحزبوا حول المدينة فإنه مقتض لتعين جهاد المسلمين لهم فصار لهم حالان خلاف ما يوهمه قوله : أي : المصنف وأما بعد إلخ ا هـ . مغني




                                                                                                                              الخدمات العلمية