الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      (المطففون): الذين يبخسون الكيل والوزن، ويظهرون أنهم يوفون.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أن أهل المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا ووزنا، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة; نزلت هذه السورة، قاله ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: اكتالوا على الناس : على عند الطبري بمعنى: (من)، [ومعنى (اكتلت عليه): أخذت ما عليه، و (اكتلت منه); أي: استوفيت منه].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون أي: كالوا لهم، [أو وزنوا لهم]، فحذفت اللام، فتعدى الفعل، قاله الأخفش، والفراء.

                                                                                                                                                                                                                                      عيسى بن عمر: المعنى: وإذا كالوا هم، أو وزنوا هم، فجعل {هم} للتوكيد، وينبغي على هذه أن تكون بعد الواو ألف، وليست في المصحف كذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كلا إن كتاب الفجار لفي سجين} : قال ابن عباس، ومجاهد: يعني: الأرض [ ص: 53 ] السابعة، وقال كعب، وقال: تحتها أرواح الكفار، تحت خد إبليس، وعن كعب أيضا قال: سجين : شجرة سوداء تحت الأرض السابعة، مكتوب فيها اسم كل شيطان، تلقى أنفس الكفار عندها.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: المعنى: عملهم تحت الأرض السابعة، لا يصعد منه شيء، قال:

                                                                                                                                                                                                                                      و {سجين}: صخرة في الأرض السابعة.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:" {سجين} جب في جهنم، وهو مفتوح"، وقال في {الفلق}: "إنه جب في جهنم مغطى".

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عبيدة: سجين : [حبس] شديد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: أصله: (سجيل); فأبدلت اللام نونا، وقد تقدم ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كتاب مرقوم أي: مكتوب فيه أعمال الكفار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كلا بل ران على قلوبهم أي: غلب على قلوبهم ما اكتسبوه من المعاصي.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن، وقتادة: (الرين): الذنب على الذنب حتى يموت القلب.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إذا أذنب العبد الذنب; [ ص: 54 ] كانت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب صقل قلبه، فإن زاد زادت حتى يسود قلبه، قال: فذلك قوله: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون : في هذا دليل على أن الأبرار غير محجوبين عن رؤية الله عز وجل في الآخرة، قاله مالك بن أنس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين : قيل: يعني: السماء السابعة، فيها أرواح المؤمنين، قاله مجاهد والضحاك وغيرهما، وعن الضحاك أيضا: هي عند سدرة المنتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: هي الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: هي فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: عليون : أعلى الأمكنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: علو في علو مضاعف; ولذلك جمع بالواو والنون، وهو معنى قول الطبري.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن {عليين} صفة للملائكة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يشهده المقربون : [قال ابن عباس والضحاك: أهل كل سماء.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 55 ] وقوله: على الأرائك ينظرون أي: ينظرون إلى نعم الله عز وجل عليهم، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: "ينظرون إلى أعدائهم في النار".

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك ]: قال ابن مسعود، وابن عباس، وغيرهما: (الرحيق): الخمر، وقيل: هي الخمر الصافية الخالصة من الغش.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {مختوم}: مخلوط.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ختامه مسك أي: خلطه مسك، عن ابن مسعود.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس، والحسن، وغيرهما: المعنى: أنه توجد رائحة المسك عند آخر شربه.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: عاقبته مسك.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد، وابن زيد: ختم إناؤه بالمسك بدل الطين.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو الدرداء: هو شراب أبيض مثل الفضة، يختمون به شرابهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ومزاجه من تسنيم * عينا يشرب بها المقربون قال ابن مسعود [ ص: 56 ] وابن عباس: تسنيم : أشرف شراب في الجنة، يشرب منه المقربون صرفا، ويمزج لسائر أهل الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: من تسنيم أي: من علو; فالمعنى: من عين تنصب عليهم من علو.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: بلغنا أنها عين تخرج من تحت العرش.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون يعني: استهزاء الكفار بالمؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في {فاكهين}، و {فكهين}.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما أرسلوا عليهم حافظين أي: لم يرسل الكفار حافظين على المؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون يعني: إذا نظروا إليهم من الجنة وهم في النار يعذبون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون : [أي: هل أعطوا إذا فعل بهم ذلك ثواب أعمالهم؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إنه متعلق بـ ينظرون ; أي: ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون؟].

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو على إضمار القول; والمعنى: يقول بعض المؤمنين لبعض: هل ثوب [ ص: 57 ] الكفار ما كانوا يفعلون؟

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {ثوب}: رجوع ما يرجع إليهم من مجازاة ربهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية