الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل الرابع : في سيرة السلف في تعظيم رواية حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وسنته

          [ حدثنا الحسين بن محمد الحافظ ، حدثنا أبو الفضل بن خيرون ، حدثنا أبو بكر البرقاني ، وغيره ، حدثنا أبو الحسن الدارقطني ، حدثنا علي بن مبشر ، حدثنا أحمد بن سنان القطان ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا المسعودي ، عن مسلم البطين ، عن عمرو بن ميمون ، قال : اختلفت إلى ابن مسعود سنة ، فما ] سمعته يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إلا أنه حدث يوما فجرى على لسانه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم علاه كرب ، حتى رأيت العرق يتحدر عن جبهته ، ثم قال : هكذا إن شاء الله ، أو فوق ذا ، أو ما دون ذا ، أو ما هو قريب من ذا .

          وفي رواية : فتربد وجهه .

          وفي رواية : وقد تغرغرت عيناه ، وانتفخت أوداجه .

          وقال إبراهيم بن عبد الله بن قريم الأنصاري قاضي المدينة : مر مالك بن أنس على أبي حازم ، وهو يحدث ، فجازه ، وقال : إني لم أجد موضعا أجلس فيه ، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنا قائم .

          [ ص: 404 ] وقال مالك : جاء رجل إلى ابن المسيب ، فسأله عن حديث ، وهو مضطجع ، فجلس ، وحدثه ، فقال له الرجل : وددت أنك لم تتعن ، فقال : إني كرهت أن أحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأنا مضطجع .

          وروي عن محمد بن سيرين أنه قد يكون يضحك ، فإذا ذكر عنده حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - خشع .

          وقال أبو مصعب : كان مالك بن أنس لا يحدث بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وهو على وضوء ، إجلالا له .

          وحكى مالك ذلك عن جعفر بن محمد .

          وقال مصعب بن عبد الله : كان مالك بن أنس إذا حدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ ، وتهيأ ، ولبس ثيابه ، ثم يحدث .

          قال مصعب : فسئل عن ذلك ، فقال : إنه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

          قال مطرف : كان إذا أتى الناس مالكا خرجت إليهم الجارية فتقول لهم : يقول لكم الشيخ : تريدون الحديث أو المسائل ؟ فإن قالوا : المسائل خرج إليهم ، وإن قالوا : الحديث دخل مغتسله ، واغتسل ، وتطيب ، ولبس ثيابا جددا ، ولبس ساجه ، وتعمم ، ووضع على رأسه رداء ، وتلقى له منصة ، فيخرج فيجلس عليها ، وعليه الخشوع ، ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

          قال غيره : ولم يكن يجلس على تلك المنصة إلا إذا حدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

          قال ابن أبي أويس : فقيل لمالك في ذلك ، فقال : أحب أن أعظم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أحدث به إلا عن طهارة متمكنا .

          قال : وكان يكره أن يحدث في الطريق ، أو وهو قائم ، أو مستعجل . وقال : أحب أن أفهم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

          [ ص: 405 ] [ قال ضرار بن مرة : كانوا يكرهون أن يحدثوا على غير وضوء .

          ونحوه عن قتادة .

          وكان الأعمش إذا حدث ، وهو على غير وضوء تيمم .

          قال عبد الله بن المبارك : كنت عند مالك ، وهو يحدثنا ، فلدغته عقرب ست عشرة مرة ، وهو يتغير لونه ، ويصفر ، ولا يقطع حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

          فلما فرغ من المجلس ، وتفرق الناس عنه قلت له : يا أبا عبد الله ، لقد رأيت اليوم منك عجبا . قال : نعم ، لدغتني عقرب ست عشرة مرة ، وأنا صابر في جميع ذلك ، وإنما صبرت إجلالا لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

          قال ابن مهدي : مشيت يوما مع مالك إلى العقيق ، فسألته عن حديث ، فانتهرني ، وقال لي : كنت في عيني أجل من أن تسأل عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونحن نمشي .

          وسأله جرير بن عبد الحميد القاضي عن حديث ، وهو قائم ، فأمر بحبسه ، فقيل له : إنه قاض . قال : القاضي أحق من أدب .

          وذكر أن هشام بن هشام بن الغازي سأل مالكا عن حديث ، وهو واقف فضربه عشرين سوطا ، ثم أشفق عليه ، فحدثه عشرين حديثا ، فقال هشام : وددت لو زادني سياطا ، ويزيدني حديثا .

          قال عبد الله بن صالح : كان مالك ، والليث لا يكتبان الحديث إلا وهما طاهران .

          [ ص: 406 ] وكان قتادة يستحب ألا يقرأ أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا على وضوء ، ولا يحدث إلا على طهارة .

          وكان الأعمش إذا أراد أن يحدث ، وهو على غير وضوء تيمم .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية