الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          فصل

                                                          وأما ما وقع فيه حرف المد بعد الهمز نحو ما مثلنا به أولا ، فإن لورش من طريق الأزرق مذهبا اختص به ، سواء كانت الهمزة في ذلك ثابتة عنده ، أو مغيرة في مذهبه ، فالثابتة نحو ( آمنوا ) و ( نأى ) ، و ( سوآت ) ، و ( اتيا ) ، و ( لإيلاف ) ، و ( دعائي ) ، و ( المستهزئين ) ، ( والنبيئين ) ، ( وآتوا ) ، و ( يئوسا ) ، و ( النبيئون ) والمغيرة له إما أن تكون بين بين ، وهو ( أأمنتم ) في الأعراف وطه والشعراء و ( أآلهتنا ، جاء آل ) في الحجر . ( جاء آل فرعون ) في القمر . أو بالبدل ، وهو ( هؤلاء آلهة ) في الأنبياء . و ( من السماء آية ) في الشعراء أو بالنقل نحو ( الآخرة ، الآن جئت ، الإيمان الأولى ، من آمن بني آدم ألفوا آباءهم قل إي وربي قد أوتيت ) وشبه ذلك [ ص: 339 ] فإن ورشا من طريق الأزرق مد ذلك كله على اختلاف بين أهل الأداء في ذلك ، فروى المد في جميع الباب أبو عبد الله بن سفيان صاحب " الهادي " ، وأبو محمد مكي صاحب " التبصرة " ، وأبو عبد الله بن شريح صاحب " الكافي " ، وأبو العباس المهدوي صاحب " الهداية " ، وأبو الطاهر بن خلف صاحب " العنوان " ، وأبو القاسم الهذلي وأبو الفضل الخزاعي وأبو الحسن الحصري وأبو القاسم بن الفحام صاحب " التجريد " ، وأبو الحسن بن بليمة صاحب " التلخيص " ، وأبو علي الأهوازي وأبو عمرو الداني من قراءته على أبي الفتح ، وخلف بن خاقان ، وغيرهم من سائر المصريين والمغاربة زيادة المد في ذلك كله ، ثم اختلفوا في قدر هذه الزيادة ، فذهب الهذلي فيما رواه ، عن شيخه أبي عمرو إسماعيل بن راشد الحداد إلى الإشباع المفرط كما هو مذهبه عنه في المد المنفصل كما تقدم . قال : وهو قول محمد بن سفيان القروي وأبي الحسين - يعني الخبازي - عن أبي محمد المصري يعني عبد الرحمن بن يوسف أحد أصحاب ابن هلال ، وذهب جمهور من ذكرنا إلى أنه الإشباع من غير إفراط ، وسووا بينه وبين ما تقدم على الهمزة ، وهو أيضا ظاهر عبارة " التبصرة " " والتجريد " ، وذهب الداني ، والأهوازي ، وابن بليمة وأبو علي الهراس فيما رواه عن ابن عدي إلى التوسط ، وهو اختيار أبي علي الحسن بن بليمة ، وذكر أبو شامة أن مكيا ذكر كلا من الإشباع والتوسط ، وذكر السخاوي عنه الإشباع فقط .

                                                          ( قلت ) : وقفت له على مؤلف انتصر فيه للمد في ذلك ورد على من رده ، أحسن في ذلك وبالغ فيه ، وعبارته في " التبصرة " تحتمل الوجهين جميعا ، وبالإشباع قرأت من طريقه ، وذهب إلى القصر فيه أبو الحسن طاهر بن غلبون ، ورد في تذكرته على من روى المد وأخذ به ، وغلط أصحابه ، وبذلك قرأ الداني عليه ، وذكره أيضا ابن بليمة في تلخيصه ، وهو اختيار الشاطبي حسب ما نقله أبو شامة ، عن أبي الحسن السخاوي ، عنه ، قال أبو شامة : وما قال به ابن غلبون هو الحق . انتهى . وهو اختيار مكي فيما [ ص: 340 ] حكاه عنه أبو عبد الله الفارسي ، وفيه نظر ، وقد اختاره أبو إسحاق الجعبري ، وأثبت الثلاثة جميعا أبو القاسم الصفراوي في إعلانه ، والشاطبي في قصيدته ، وضعف المد الطويل ، وألحق في ذلك أنه شاع وذاع وتلقته الأمة بالقبول ، فلا وجه لرده ، وإن كان غيره أولى منه ، والله أعلم . وقد اتفق أصحاب المدني في هذا الباب ، عن ورش على استثناء كلمة واحدة ، وأصلين مطردين ، فالكلمة ( يؤاخذ ) كيف وقعت نحو : ( لا يؤاخذكم الله ، لا تؤاخذنا ، ولو يؤاخذ الله ) . نص على استثنائها المهدوي ، وابن سفيان ، ومكي وابن شريح ، وكل من صرح بمد المغير بالبدل ، وكون صاحب " التيسير " لم يذكره في " التيسير " ، فإنه اكتفى بذكره في غيره . وكأن الشاطبي - رحمه الله - ظن بكونه لم يذكره في " التيسير " أنه داخل في الممدود لورش بمقتضى الإطلاق ، فقال : وبعضهم : يواخذكم ، أي : وبعض رواة المد قصر " يواخذ " وليس كذلك ، فإن رواة المد مجمعون على استثناء " يؤاخذ " فلا خلاف في قصره . قال الداني في إيجازه : أجمع أهل الأداء على ترك زيادة التمكين للألف في قوله : ( لا يواخذكم ) ، و ( لا تواخذنا ) ، و ( لو يواخذ ) حيث وقع . قال : وكان ذلك عندهم من " واخذت " غير مهموز ، وقال في " المفردات " : وكلهم لم يزد في تمكين الألف في قوله تعالى : ( لا يؤاخذكم الله ) وبابه . وكذلك استثناها في " جامع البيان " ولم يحك فيها خلافا ، وقال الأستاذ أبو عبد الله بن القصاع : وأجمعوا على ترك الزيادة للألف في " يواخذ " حيث وقع . نص على ذلك الداني ومكي وابن سفيان وابن شريح .

                                                          ( قلت ) : وعدم استثنائه في " التيسير " إما لكونه من : ( واخذ ) كما ذكره في " الإيجاز " فهو غير ممدود ، أو من أجل لزوم البدل له فهو كلزوم النقل في " ترى " فلا حاجة إلى استثنائه ، واعتمد على نصوصه في غير " التيسير " ، والله أعلم .

                                                          وأما الأصلان المطردان فأحدهما أن يكون قبل الهمز ساكن صحيح ، وكلاهما من كلمة واحدة ، وهو ( القرآن ، و " الظمآن " ، و " مسئولا " ، و " مذؤما " ، [ ص: 341 ] و " مسئولون " ) واختلف في علة ذلك ، فقيل : لأمن إخفاء بعده ، وقيل : لتوهم النقل ، فكأن الهمزة معرضة للحذف .

                                                          ( قلت ) : ظهر لي في علة ذلك أنه لما كانت الهمزة فيه محذوفة رسما ترك زيادة المد فيه تنبيها على ذلك ، وهذه هي العلة الصحيحة في استثناء " إسرائيل " عند من استثناها ، والله أعلم ، فلو كان الساكن قبل الهمز حرف مد أو حرف لين كما تقدم في مثلنا فهم عنه فيه على أصولهم المذكورة . وانفرد صاحب " الكافي " فلم يمد الواو بعد الهمزة في " الموءودة " فخالف سائر أهل الأداء الراوين مد هذا الباب عن الأزرق ، والثاني أن تكون الألف بعد الهمزة مبدلة من التنوين في الوقف نحو ( دعاء ، ونداء ، وهزؤا ، وملجأ ) لأنها غير لازمة ، فكان ثبوتها عارضا ، وهذا أيضا مما لا خلاف فيه . ثم اختلف رواة المد ، عن ورش في ثلاث كلم وأصل مطرد .

                                                          ( فالأولى ) من الكلم ( إسرائيل ) حيث وقعت . نص على استثنائها أبو عمرو الداني وأصحابه ، وتبعه على ذلك الشاطبي فلم يحك فيها خلافا ، ووجه بطول الكلمة وكثرة دورها وثقلها بالعجمة ، مع أنها أكثر ما تجيء مع كلمة ( بني ) فتجتمع ثلاث مدات فاستثنى مد الياء تخفيفا ، ونص على تخفيفها ابن سفيان وأبو طاهر بن خلف وابن شريح ، وهو ظاهر عبارة مكي ، والأهوازي والخزاعي وأبي القاسم بن الفحام وأبي الحسن الحصري ؛ لأنهم لم يستثنوها .

                                                          ( والثانية ) ( آلآن ) المستفهم بها في حرفي يونس ( آلآن وقد كنتم به تستعجلون آلآن وقد عصيت قبل ) أعني المد بعد اللام ، فنص على استثنائها ابن سفيان والمهدوي وابن شريح ولم يستثنها مكي في كتبه ، ولا الداني في تيسيره ، واستثناها في " الجامع " ، ونص في غيرهما بخلاف فيها ، فقال في " الإيجاز " و " المفردات " : إن بعض الرواة لم يزد في تمكينها ، وأجرى الخلاف فيها الشاطبي .

                                                          ( والثالثة ) ( عادا الأولى ) في سورة النجم ، لم يستثنها صاحب " التيسير " فيه ، واستثناها في جامعه ، ونص على الخلاف في غيرهما كحرفي ( آلآن ) في يونس .

                                                          [ ص: 342 ] ونص على استثنائها مكي وابن سفيان والمهدوي وابن شريح ، وأما صاحب " العنوان " ، وصاحب " الكامل " ، والأهوازي وأبو معشر وابن بليمة فلم يذكروا : ( آلآن ، ولا عادا الأولى ) بل ولا نصوا على الهمز المغير في هذا الباب ولا تعرضوا له بمثال ولا غيره . وإنما ذكروا الهمز المحقق ومثلوا به ، ولا شك أن ذلك يحتمل شيئين : أحدهما أن يكون ممدا على القاعدة الآتية آخر الباب لدخوله في الأصل الذي ذكروه ، إذ تخفيف الهمز بالتليين أو البدل أو النقل عارض ، والعارض لا يعتد به على ما سيأتي في القاعدة ، والاحتمال الثاني أن يكون غير ممدود لعدم وجود همز محقق في اللفظ ، والاحتمالان معمول بهما عندهم كما تمهد في القاعدة الآتية غير أن الاحتمال الثاني عندي أقوى في مذهب هؤلاء من حيث إنهم لم يذكروه ولم يمثلوا بشيء منه ، ولا استثنوا منه شيئا حتى ولا مما أجمع على استثنائه ، وكثير منهم ذكر القصر فيما أجمع على مده من المتصل إذا وقع قبل الهمز المغير ، فهذا أولى ، وأما صاحب " التجريد " ، فإنه نص على المد في المغير بالنقل في آخر باب النقل ، فقال : وكان ورش إذا نقل حركة الهمز التي بعدها حرف مد إلى الساكن قبلها أبقى المد على حاله قبل النقل . انتهى ، وقياس ذلك المغير بغير النقل ، بل هو أحرى ، والله أعلم .

                                                          وكذلك الداني في " التيسير " وفي سائر كتبه لم ينص إلا على المغير بنقل أو بدل ، فقال : سواء كانت محققة ، أي الهمزة ، أو ألقي حركتها على ساكن قبلها ، أو أبدلت . ثم مثل بالنوعين فلم ينص على المسهل بين بين ، ولا مثل به ، ولا تعرض ألبتة إليه ، فيحتمل أن يكون تركه ذكر هذا النوع ; لأنه لا يرى زيادة التمكين فيه ، إذ لو جازت زيادة تمكينه لكان كالجمع بين أربع ألفات ، وهي الهمزة المحققة والمسهلة بين بين ، والألف ، فلو مدها لكانت كأنها ألفان ، فيجتمع أربع ألفات ، وبهذا علل ترك إدخال الألف بين الهمزتين ، فيجتمع أربع ألفات ، وبهذا علل ترك إدخال الألف بين الهمزتين في ذلك ، كما سيأتي في موضعه .

                                                          فإن قيل لو كان كذلك لذكره مع المستثنيات ( فيمكن ) أن يجاب بأن ذلك [ ص: 343 ] غير لازم ؛ لأنه إنما استثنى ما هو من جنس ما قدر ، وذلك أنه لما نص على التمكين بعد الهمزة المحققة والمغيرة بالنقل أو بالبدل خاصة ، ثم استثنى مما بعد الهمزة المحققة ، فهذا استثناء من الجنس ، فلو نص على استثناء ما بعد الهمزة المغيرة بين بين لكان استثناء من غير الجنس ، فلم يلزم ذلك ، واستثناؤه ما بعد الهمزة المجتلبة للابتداء استثناء من الجنس ؛ لأنها حينئذ محققة ، وكذلك من علمناه من صاحب " الهداية " و " الكافي " و " التبصرة " وغيرهم لم يمثلوا بشيء من هذا النوع ، إلا أن إطلاقهم التسهيل قد يرجع إدخال نوع بين بين ، وإن لم يمثلوا به ، والجملة فلا أعلم أحدا من متقدمي أئمتنا نص فيه بشيء . نعم عبارة الشاطبي صريحة بدخوله ; ولذلك مثل به شراح كلامه ، وهو الذي صح أداء ، وبه يؤخذ ، على أني لا أمنع إجراء الخلاف في الأنواع الثلاثة عملا بظواهر عبارات من لم يذكرها ، وهو القياس ، والله أعلم .

                                                          ( تنبيه ) إجراء الوجهين من المد وضده من المغير بالنقل ، إنما يتأتى حالة الوصل . أما حالة الابتداء إذا وقع بعد لام التعريف فإن لم يعتد بالعارض ، فالوجهان في نحو ( الآخرة ) ، ( الإيمان ) ، ( المولى ) جاريان ، وإن اعتد بالعارض فالقصر ليس إلا نحو ( الآخرة ) ، ( الإيمان ) ، ( المولى ) لقوة الاعتداد بالعارض في ذلك ، ولعدم تصادم الأصلين ، نص على ذلك أهل التحقيق من أئمتنا . قال مكي في " الكشف " : إن ورشا لا يمد ( الأولى ) ، وإن كان من مذهبه مد حرف المد بعد الهمز المغير ; لأن هذا وإن كان همزا مغيرا إلا أنه قد اعتد بحركة اللام ، فكأن لا همز في الكلمة ، فلا مد . انتهى ، وأما الأصل المطرد الذي فيه الخلاف فهو حرف المد إذا وقع بعد همزة الوصل حالة الابتداء نحو ( ايت بقرآن . ايتوني اوتمن ايذن لي ) فنص على استثنائه وترك الزيادة في مده أبو عمرو الداني في جميع كتبه ، وأبو معشر الطبري ، والشاطبي ، وغيرهم ، ونص على الوجهين جميعا من المد ، وتركه ابن سفيان وابن شريح ومكي ، وقال في " التبصرة " : وكلا الوجهين حسن ، وترك المد أقيس ، ولم يذكره المهدوي ولا ابن الفحام ولا ابن بليمة ولا [ ص: 344 ] صاحب " العنوان " ، ولا الأهوازي ، فيحتمل مده ؛ لدخوله في القاعدة ، ولا يضر عدم التمثيل به ، ويحتمل ترك المد . وأن يكونوا استغنوا عن ذلك بما مثلوه من غيره ، وهو الأولى ، فوجه المد وجود حرف مد بعد همزة محققة لفظا ، وإن عرضت ابتداء ، ووجه القصر كون همزة الوصل عارضة والابتداء بها عارض ، فلم يعتد بالعارض ، وهذا هو الأصح ، والله أعلم .

                                                          وأما نحو ( رأى القمر ، و رأى الشمس ، و تراءى الجمعان ) في الوقف فإنهم فيه على أصولهم المذكورة من الإشباع والتوسط والقصر ; لأن الألف من نفس الكلمة ، وذهابها وصلا عارض فلم يعتد به ، وهذا من المنصوص عليه ، وأما ( ملة آبائي إبراهيم ) في يوسف ( فلم يزدهم دعائي إلا ) في نوح حالة الوقف ( وتقبل دعاء ربنا ) في إبراهيم حالة الوصل ، فكذلك هم فيها على أصولهم ومذاهبهم ، عن ورش ; لأن الأصل في حرف المد من الأوليين الإسكان ، والفتح فيها عارض من أجل الهمزة ، وكذلك حذف حرف المد في الثالثة عارض حالة الوصل اتباعا للرسم ، والأصل إثباتها فجرت فيها مذاهبهم على الأصل ، ولم يعتد فيها بالعارض ، وكان حكمها حكم ( من وراء ) في الحالين ، وهذا مما لم أجد فيه نصا لأحد ، بل قلته قياسا ، والعلم عند الله تبارك وتعالى . وكذلك أخذته أداء عن الشيوخ في ( دعاء ) في إبراهيم ، وينبغي أن لا يعمل بخلافه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية