الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر قول الرجل لامرأته: أنت طالق البتة

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يقول لزوجته: أنت طالق البتة.

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: هي واحدة، يملك الرجعة، روي هذا القول عن عمر بن الخطاب وسعيد بن جبير.

                                                                                                                                                                              7649 - حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب، حدثنا يعلى، حدثنا إسماعيل، عن عامر قال: قال ابن أخي الحارث بن أبي ربيعة لامرأته: إن خرجت بغير أمري فأنت طالق البتة، فخرجت، فسئل عبد الله بن شداد، فشهد على عمر أنه جعلها تطليقة واحدة.

                                                                                                                                                                              7650 - حدثنا إسحاق، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، أن محمد بن عباد بن جعفر أخبره، أن المطلب بن حنطب جاء عمر بن الخطاب فقال: إني قلت [لامرأتي]: أنت طالق البتة، فقال عمر: وما حملك على ذلك؟ قال: القدر، قال: فتلا عمر: ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) وتلا ( ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ) هذه الآية، ثم قال: الواحدة تبت، أرجع امرأتك هي واحدة. [ ص: 172 ]

                                                                                                                                                                              وقال عطاء: يدين، فإن أراد واحدة فهي واحدة، وإن أراد [ثلاثا] فثلاث.

                                                                                                                                                                              وهذا قول الشافعي أن القول قوله فيما أراد، ويلزمه إن لم يكن أراد زيادة: واحدة.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة في البتة: ثلاثا.

                                                                                                                                                                              روي هذا القول عن علي، وبه قال ابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن المسيب، وعروة، والزهري.

                                                                                                                                                                              7651 - حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا حجاج، حدثنا حماد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، أن ابن عمر قال في البتة: ثلاث.

                                                                                                                                                                              7652 - حدثنا علي، حدثنا حجاج، حدثنا حماد، عن أيوب، عن عبد الله بن أبي مليكة، أن ابن عمر قال: أبت الطلاق طلاق البتة. [ ص: 173 ]

                                                                                                                                                                              7653 - حدثنا محمد بن علي، حدثنا سعيد، حدثنا هشيم، أخبرنا سيار وإسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي في قوله: أنت طالق البتة، قال: أرسل عروة بن المغيرة يسأل عن ذلك، فأخبره رياش الطائي أن عليا قال: هي ثلاث.

                                                                                                                                                                              وبه قال مالك بن أنس، وابن أبي ليلى، والأوزاعي، وأبو عبيد.

                                                                                                                                                                              وقال أحمد: أخشى أن يكون ثلاثا، ولا أجترئ أفتي به.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث قاله النخعي، كانوا يقولون: إذا نوى ثلاثا فثلاث، وإن نوى واحدة فواحدة، تملك نفسها.

                                                                                                                                                                              وفيه قول رابع: وهو أن يسأل من قال: أنت طالق البتة عن نيته، فإن نوى بها تطليقة أخرى سوى قوله: أنت طالق (وهما تطليقتان) بائنتان، وإن أراد بالبتة التطليقة الأولى فهي واحدة بائنة، وإن نوى [ثلاثا] فهي ثلاث، وإن لم تكن نيته فهي واحدة بائنة، وكذلك كل كلام يشبه الطلاق ضممته مع الطلاق، إلا قوله: اعتدي، فإنه يسأل عن النية، فإن لم ينو الطلاق فهي امرأته بعد أن يحلف.

                                                                                                                                                                              هذا قول أصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: واحتج الشافعي بحديث ركانة. [ ص: 174 ]

                                                                                                                                                                              7654 - حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا جرير بن حازم، عن الزبير بن سعيد، حدثنا عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، عن جده، أن ركانة طلق امرأته البتة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله فقال: "ما أردت بذلك"؟ قال: واحدة، قال: "آلله بذلك أردت؟" قال: آلله بذلك أردت، قال: "فهو ما أردت".

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد دفع هذا الحديث بعضهم، وقال: عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة، عن أبيه، عن جده، لا يعرف سماع بعضهم من بعض. [ ص: 175 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وهذا الحديث لا يبين اتصاله، والقول بحديث عمر يجب؛ لأنه الأقل مما أجمعوا عليه، فأقل ما قيل يلزم، وما زاد على ذلك غير جائز إلزام الزوج ذلك إلا بحجة من سنة أو إجماع.

                                                                                                                                                                              قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: حديث ركانة في البتة؟ فضعفه.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية