الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الكناية عن الطلاق بهبة الرجل زوجته لأهلها

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في قول الرجل لزوجته: قد وهبتك لأهلك.

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: إن قبلوها فواحدة بائنة، وإن لم يقبلوها فواحدة هو [ ص: 182 ] أحق بها، روي هذا القول عن علي، وقد اختلف فيه عنه، وقد روي عنه أنه قال: إن لم يقبلوها فليس بشيء.

                                                                                                                                                                              7661 - حدثنا علي بن الحسن، حدثنا عبد الله بن الوليد، عن سفيان، حدثنا مطرف، عن الحكم بن عتيبة، عن يحيى بن الجزار، عن علي بن أبي طالب أنه قال في الرجل يهب امرأته لأهلها قال: إن قبلوها فواحدة، وإن لم يقبلوا فليس بشيء.

                                                                                                                                                                              7662 - حدثنا علي بن الحسن، حدثنا عبد الله، عن سفيان، عن الأشعث، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود قال: إن قبلوها فواحدة، وهو أحق بها، وإن لم يقبلوها فليس بشيء.

                                                                                                                                                                              وروي عن النخعي أنه قال: إن قبلوها فواحدة بائنة، وإن لم يقبلوها فواحدة وهو أحق بها.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أنهم إن قبلوها فواحدة يملك الرجعة، وإن لم يقبلوها فليس بشيء.

                                                                                                                                                                              هذا قول ابن مسعود، وعطاء، والزهري، ومكحول، ومسروق، وأحمد بن حنبل، وإسحاق .

                                                                                                                                                                              7663 - حدثنا علي بن الحسن، حدثنا عبد الله، عن سفيان، عن الأشعث، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود قال: إن قبلوها فواحدة وهو أحق بها، وإن لم يقبلوها فليس بشيء. [ ص: 183 ]

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: وهو أنهم إن قبلوها فثلاث، وإن لم يقبلوها فواحدة يملك الرجعة، روي هذا القول عن زيد بن ثابت.

                                                                                                                                                                              7664 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن أن زيد بن ثابت قال: إن قبلوها فثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وإن ردوها فهي واحدة وهو أحق بها.

                                                                                                                                                                              وبه قال الحسن البصري .

                                                                                                                                                                              وقال عبد الله بن أبي ربيعة : أيما رجل وهب امرأته لأهلها فطلقوها ثلاثا فقد برئت منه.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة رابعة: إن قبلوها فثلاث وإن ردوها فكذلك ثلاث.

                                                                                                                                                                              هذا قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن، ويحيى بن معبد، وأبي الزناد، ومالك بن أنس .

                                                                                                                                                                              وفيه قول خامس: وهو أن ذلك تطليقة قبلوا أو ردوا.

                                                                                                                                                                              كذلك قال الأوزاعي .

                                                                                                                                                                              وفيه قول سادس: وهو أنه إذا أراد طلاقا فهو طلاق، وهو ما أراد من عدد الطلاق قبلوها أو لم يقبلوها، وإن لم يرد طلاقا فليس بطلاق، وهذا على مذهب الشافعي .

                                                                                                                                                                              وفيه قول سابع: وهو أن يسأل عن نيته، فإن نوى واحدة فهي واحدة [ ص: 184 ] بائنة، وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة، وإن نوى ثلاثا فثلاث، وإن لم يرد طلاقا لم يقع عليها الطلاق، وذلك إذا قال: قد وهبتك لأهلك قبلوها أو لم يقبلوها.

                                                                                                                                                                              هذا قول أصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثامن: وهو إن كان وهبها لهم وهو ينتظر رأيهم فالقضاء ما قضوا، وإن كان وهبها لهم وهو لا ينتظر رأيهم فهو طلاق البتة.

                                                                                                                                                                              هذا قول الليث بن سعد.

                                                                                                                                                                              وفيه قول تاسع: ذكره أبو عبيد عن طائفة من أهل الكلام قال: ليس يكون هذا طلاقا أبدا وإن قبلوها أهلها، قال: وقالوا: ليس تكون الهبات إلا في الأموال، وليست الزوجة بمال.

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : إذا قال الرجل لامرأته: قد وهبتك لأهلك فقبلوها أو ردوها فليس هذا من ألفاظ الطلاق؛ لأن الحرة لا توهب ولا يقع بهذا طلاق إلا أن يكون لأهل العلم في ذلك قول فيصير إليه، وكذلك إذا قال لها: الحقي بأهلك، فسواء، والله أعلم.

                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد: وجدنا الهبات تكون في أربع مواضع سوى الأموال:

                                                                                                                                                                              قال الله - عز وجل - ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ) .

                                                                                                                                                                              والثانية قوله: ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) .

                                                                                                                                                                              والثالثة: هبة العقوبات كالجناية التي يكون فيها القصاص، فيهبها المجني عليه. [ ص: 185 ]

                                                                                                                                                                              والرابعة: هذه الهبة التي تكلم فيها المهاجرون ومن بعدهم إلى اليوم في هبة الرجل امرأته لأهلها.

                                                                                                                                                                              ثم الخامسة: هبة الأموال، وكيف يدعي علم الفقه من لا يعرف ما اقتصصنا.

                                                                                                                                                                              وكان أبو عبيد يقول: إن قبلوها فهي واحدة تملك رجعتها، وإن أراد ثلاثا وقبلوها فهي ثلاث، وإن لم يقبلوها فلا شيء.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية